للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُلُوسٍ وَقَبَضَهَا فَتَفَرَّقَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ انْتَقَضَ فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْأَصْلِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ. وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهَا مِنْ ضَرْبٍ لَا يُنْفَقُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فِي الْمَقْبُوضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَعِيرٍ وَقَبَضَهُ وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ رَجَعَ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ فِي الْمَرْدُودِ فَظَهَرَ أَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ وَسَطٍ وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا رَجَعَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ بِمِثْلِهِ فِي الْمُسْتَحَقِّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى الْآنَ وَصِفَةُ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْمَجْلِسِ لَا تَضُرُّ فَلِهَذَا رَجَعَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّعِيرِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا فَصَالَحَهُ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً بَعْدَمَا افْتَرَقَا فَرَدَّهَا بَطَلَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمُسْتَحَقِّ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَرَدَّهَا كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَسْتَبْدِلُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا الثَّانِي، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا وَجَدَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلَ الْقَرْضِ زُيُوفًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَرَدَّهَا وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَكُرَّا حِنْطَةٍ قَرْضًا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ دِرْهَمًا وَأَخَذَ حِصَّةَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّرَاهِمَ فِي الْمَجْلِسِ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَبَعْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ تَبْقَى عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَالطَّعَامُ عَلَى حَالِهِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ إلَى أَجَلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ فِي الْخَمْسِمِائَةِ وَالطَّالِبُ بِمُقَابَلَتِهِ أَسْقَطَ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ فَهُوَ مُبَادَلَةُ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، ثُمَّ نَهَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ «بَنِي النَّضِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَجَلَاهُمْ قَالُوا إنَّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» وَكُنَّا نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الرِّبَا، ثُمَّ انْتَسَخَ بِنُزُولِ حُكْمِ الرِّبَا، فَإِنَّ مُبَادَلَةَ الْأَجَلِ بِالْمَالِ رِبًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ رِبَا النَّسَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا شُبْهَةَ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رِبًا حَرَامًا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>