للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ لِلدَّعْوَى بِزَعْمِهِ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَلْ هِيَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَيُفْدَى مِثْلُهَا بِمَالٍ، كَالْمَرْأَةِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ، وَلَوْ صَالَحَهَا الزَّوْجُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ يَمِينِ الْمُنْكِرِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ، فَإِنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى الْعِلْمِ وَلِأَنَّ الْمُودِعَ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِالرَّدِّ وَالْهَلَاكِ فَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَالَحَهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ، وَالْعُذْرُ عَنْ الْيَمِينِ مَا ذَكَرْنَا.

(الثَّالِثُ:) فِيمَا إذَا قَالَ الْمُودَعُ: رَدَدْتُهَا، وَقَالَ: الْمُودَعُ: اسْتَهْلَكْتَهَا، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى مَالٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَرَاءَةَ تَحْصُلُ لَهُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُهَا وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ صَاحِبِهَا، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِخَبَرِهِ لَا يَبْطُلُ بِدَعْوَى صَاحِبِهَا الِاسْتِهْلَاكَ فَكَمَا أَنَّ قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى لَوْ صَالَحَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَى. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الرَّدَّ وَإِنْ ثَبَتَ بِخَبَرِهِ فَصَاحِبُهَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ لِلضَّمَانِ، وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ فَصَارَ ذَلِكَ كَدَعْوَى مُبْتَدَأَةٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا عَلَى مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُودَعِ مِنْ الرَّدِّ وَأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى عِلْمِهِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَهْلَكْتُهَا كَمَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُهَا لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَبْضِ بِجِهَةِ الْوَدِيعَةِ.

وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَا يَدَّعِي صَاحِبُهَا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ وَهُنَا يَدَّعِي ذَلِكَ قَالَ: وَإِنْ جَحَدَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَوْدِعُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ الصُّلْحِ فَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ قَدْ قَالَهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَاصَّةً، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَبَعْدَهَا.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ إقْدَامَ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الصُّلْحِ طَائِعًا الْتِزَامٌ مِنْهُ لِلْمَالِ بِسَبَبِ تَصْحِيحٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ يُرِيدُ بِهَا تَفْرِيعَ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ مَا الْتَزَمَهُ فِيهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، ثُمَّ زَعَمَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ الْخُلْعِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، فَإِنْ أَقَامَ الْمُودِعُ بَيِّنَةً بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ بَرِئَ مِنْ الصُّلْحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الطَّالِبِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ رَدِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُخْتَلِعَةِ إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُنَاقِضٌ فِي الدَّعْوَى هُنَا أَيْضًا شَائِعٌ فِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>