للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّوْبِ الْأَوَّلِ؛ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَاقَصَهُ الرَّهْنَ أَوْ تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ، عَلَى مَا بَيَّنَّا: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ زُفَرَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ لَا يَثْبُتُ مُلْحَقُهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) وَتَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ رَهَنَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَوْمَيْنِ بِالْعَشَرَةِ جَازَ الرَّهْنُ، وَانْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَقْتَ الْعَقْدِ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ، فَلَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ اقْتِرَاضٌ مِنْهُمَا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا.

تَوْضِيحُهُ: أَنَّهُ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى تَصْحِيحِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَرُبَّمَا نَطَقَ الْمُرْتَهِنُ بِالِابْتِدَاءِ أَنَّهُ فِي الرَّهْنِ، وَفَاءً بِدَيْنِهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَلَا يَرْضَى بِرَهْنٍ، لَا وَفَاءَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ الرَّاهِنُ بِرَدِّ عَيْنٍ آخَرَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تَجُوزُ إنْ ثَبَتَ حُكْمًا فَإِنَّ الْمَرْهُونَةَ إذَا وَلَدَتْ يَكُونُ الْوَلَدُ زِيَادَةً تَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ حُكْمًا فَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ أَيْضًا فَصْلًا، وَالْفَصْلُ الثَّانِي فِي الزِّيَادَةِ بِالدَّيْنِ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا زَادَ الرَّاهِنَ عَشَرَةً أُخْرَى لِيَكُونَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تَثْبُتُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَثْبُتُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَأَوْجَهَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ مَعَ الرَّهْنِ يَتَحَاذَيَانِ مُحَاذَاةَ الْمَبِيعِ مَعَ الثَّمَنِ حَتَّى يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا بِهِ كَالْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ يُجْعَلُ مُلْحَقُهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعِ ثَبَتَتْ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَهُنَا مِثْلُهُ.

وَكَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ تُمَسُّ إلَى الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ فَقَدْ تُمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ، وَيَحْتَاجُ الرَّاهِنُ إلَى مَالٍ آخَرَ فَيَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ فِي رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُسْلَمُ فِيهِ كَالْمَوْجُودِ حُكْمًا لِحَاجَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَ حَوَائِجِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ حَوَائِجِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْعَقْدُ فِيهِ فَأَمَّا جَوَازُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ فَثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ إذَا هُوَ لِحَاجَةِ الْمَدْيُونِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِ الْمَدْيُونِ.

وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ، وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>