للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ إنْ كَانَ هُوَ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَلَا إشْكَال فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا، فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ يُعْطِيهِ إيَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْمَوْعُودَ مِنْهُ الدَّيْنُ، كَالْمُسْتَحَقِّ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَهَلَكَ فَقَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَبَيَانُهُ إلَيْهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَعْطِهِ مَا يَثْبُتُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِنَفَقَةٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ وَإِنْ قَالَ: أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِدَرَاهِمَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ وَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَرَاهِمَ سَوَاءٌ، وَلَوْ قَالَ: آخُذُهُ رَهْنًا بِمَخْتُومِ حِنْطَةٍ أَوْ مَخْتُومِ شَعِيرٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَخْتُومُ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: خُذْهُ رَهْنًا بِدَيْنٍ أَرَادَ بِدِرْهَمٍ.

وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ دِرْهَمٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ، فَأَعْطَاهُ شَعِيرًا بِفَلْسٍ فَغَلَتْ الْفُلُوسُ فَصَارَتْ ثُلُثَيْنِ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ هَلَكَ الْخَاتَمُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَظِيرُ الشَّعِيرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ، وَعِنْدَ الْهَلَاكِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ، وَفِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَدَتْ، وَلَمْ يَبْقَ أَوْ رَخُصَتْ فَصَارَتْ تِسْعِينَ بِدَانَقٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا تِسْعُونَ فَلْسًا، وَإِنْ هَلَكَ الْخَاتَمُ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَ حَقَّهُ، وَدَفَعَ بِهِ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا، وَإِنْ طَلَبَ حَقَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْخَاتَمِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَأَخَذَ نِصْفَ الْفِضَّةَ، وَكَانَ الذَّهَبُ وَنِصْفُ الْفِضَّةِ الْبَاقِي رَهْنًا بِتِسْعِينَ فَلْسًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ أَمَانَةٌ، وَنِصْفَهُ مَضْمُونٌ، فَإِنَّ الْفِضَّةَ وَزْنُ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا رَهَنَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ مَضْمُونٌ، وَنِصْفَهُ أَمَانَةٌ، فَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْخَاتَمِ مِنْ الذَّهَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ فَاسِدًا، وَأَدَّى الدَّيْنَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَأَخَذَ الْبَاقِي مِنْهُ، وَيَبْطُلُ قَدْرُ الدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالِ الْهَلَاكِ بِحَالِ الِانْكِسَارِ.

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي (الْمُخْتَصَرِ) فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَأَخَذَ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا، وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَمُرَادُهُ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مَكْسُورًا بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّسْتِ، وَالتَّوْرِ؛ لِأَنَّ مَصُوغَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَالِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ لَا يُوزَنُ، فَأَمَّا الْمَصُوغُ مِنْ الْفِضَّةِ، فَمَالُ الرِّبَا، سَوَاءً

<<  <  ج: ص:  >  >>