للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمَ مُحْرِزٌ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَمْلِكُهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ، وَالرَّهْنُ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّهْنَ، فَلَا يَمْلِكُهُ الثَّانِي لِبَقَاءِ إحْرَازِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لَهُ فَلِهَذَا كَانَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ الْحَرْبِيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ خَرَجَا بِإِمَامٍ فَاخْتَصَمَا فِيهِ لَمْ يَقْضِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُسْتَأْمَنَا لِيَجْرِيَ عَلَيْهِمَا الْحُكْمُ بَلْ لِيَتَّجِرَا وَيَعُودَا إلَى دَارِهِمَا، وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ كَانَتْ مِنْهُمَا حَيْفًا حِينَ لَمْ يَكُونَا تَحْتَ وِلَايَةِ الْإِمَامِ فَمَا لَمْ يَلْتَزِمَا حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْضَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ جَاءَا مُسْلِمَيْنِ أَوَذِمِّيَّيْنِ ثُمَّ اخْتَصَمَا فِي الرَّهْنِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ أَبْقَيْتَ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَابْتَدَآ الرَّهْنَ، وَالِارْتِهَانُ صَحِيحُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ هَذَا الِالْتِزَامِ فَيَبْقَى أَيْضًا مَا كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا.

وَرَهْنُ الْمُرْتَدِّ وَارْتِهَانُهُ مَوْقُوفٌ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَقَدْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالرَّهْنُ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِي رِدَّتِهِ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ أَيْضًا فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِهِ فَيَتَغَيَّرُ بِحَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ وَإِنَّمَا يُوَفَّى دَيْنُ الْإِسْلَامِ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ، وَدَيْنُ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الرَّهْنِ هُنَا وَإِنْ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْفَضْلِ، كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ دَيْنًا فِي رِدَّتِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ، وَكَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالْمَتَاعُ مِنْ كَسْبِهِ فِي الرِّدَّةِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَبَائِعِ مَا اكْتَسَبَ فِي الرِّدَّةِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَالِهِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ كَسَبَ الرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَيْءٌ، وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ مِيرَاثٌ، فَإِذَا أَوْفَى دَيْنَ الْإِسْلَامِ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ فَقَدْ أَوْفَاهُ مِنْ مَحِلٍّ هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُرَدُّ ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْفَى دَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِمَا هُوَ حَقُّ الْوَرَثَةِ دَيْنًا لَزِمَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ كَسْبُ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُرْمِ، فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْوَرَثَةِ.

وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُف وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) إنَّمَا يُقْضَى الدَّيْنَانِ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَذَلِكَ إذَا فَرَغَ عَنْ دَيْنِهِ، وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ بِالرِّدَّةِ فَصَارَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِمَّا كَانَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ فَهُوَ بِمَا فِيهِ بِأَيِّ الْعَيْنَيْنِ كَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ، فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) يُقْضَى الدَّيْنَانِ مِنْ كَسْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>