للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، هُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ فِيمَا هُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ سَعْيَهُ لِأَجْلِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مَالٍ آخَرَ لِرَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ.

وَإِذَا ادَّانَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ، وَرَبِحَ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ أَتَقَاضَاهُ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ الْمُتَقَاضِي.

فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ التَّقَاضِي لِلْمُضَارِبِ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُضَارِبِ ثَابِتٌ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَقَاضَى حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ، وَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ، أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ بِحِسَابِ رَأْسِ الْمَالِ ثَانِيًا، أَوْ ثَالِثًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُضَارِبَ مُتَقَاضٍ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّ نَفَقَتَهُ فِي الْمَالِ، فَرَبُّ الْمَالِ فِيمَا يَسْأَلُ يَقْصِدُ إسْقَاطَ حَقِّ الْمُضَارِبِ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ.

فَقَالَ الْمُضَارِبُ: أَنَا أَتَقَاضَاهُ، وَتَكُونُ نَفَقَتِي مِنْهُ حَتَّى أَقْبِضَهُ.

وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَحِلْنِي بِهِ أُجْبِرَ الْمُضَارِبُ عَلَى أَنْ يُحِيلَ بِهِ رَبَّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ هُنَا وَلَا حَقَّ، فَهُوَ بِمُطَالَبَتِهِ، يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَهُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ، وَيَتَقَاضَى بِنَفْسِهِ

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَتَاعًا، وَفِيهِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ، فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَجِدَ بِهِ رِبْحًا كَثِيرًا، وَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِ، أُجْبِرَ الْمُضَارِبُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يُعْطِيَهُ رَبَّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ فِي الْحَالِ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَبَيْنَ مَالِهِ بِحَقٍّ مَوْهُومٍ عَسَى يَحْصُلُ لَهُ وَعَسَى لَا يَحْصُلُ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِرَبِّ الْمَالِ، وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا، وَالْمَتَاعُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَالْمُضَارِبُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ حَيْلُولَةً بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَبَيْنَ مَالِهِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ حِينَ عَاقَدَهُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ، إلَّا أَنَّ لِلْمُضَارِبِ هُنَا أَنْ يُعْطِيَ رَبَّ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَتَاعِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَيُمْسِكُ رُبْعَ الْمَتَاعِ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ حَقٌّ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِ شَرِيكِهِ، وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ رَبِّ الْمَالِ، يَجِبُ دَفْعُهُ عَنْ الْمُضَارِبِ فِي حِصَّتِهِ، وَالطَّرِيقُ الَّذِي يَعْتَدِلُ فِيهِ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا ذَكَرْنَا

وَإِذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً، وَأَمَرَ الْمُضَارِبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ، فَاسْتَأْجَرَ الْمُضَارِبُ بِبَعْضِهِ أَرْضًا بَيْضَاءَ، وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ طَعَامًا فَزَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الزِّرَاعَةِ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ يَقْصِدُونَ بِهِ تَحْصِيلَ النَّمَاءِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «

<<  <  ج: ص:  >  >>