للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ:) وَلَيْسَ عَلَى التَّاجِرِ زَكَاةُ مَسْكَنِهِ وَخَدَمِهِ وَمَرْكَبِهِ وَكِسْوَةِ أَهْلِهِ وَطَعَامِهِمْ وَمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ آنِيَةٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ وَفَرَسٍ وَمَتَاعٍ لَمْ يَنْوِ بِهِ التِّجَارَةَ؛ لِأَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ الْمَالُ النَّامِي وَمَعْنَى النَّمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ بِدُونِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ يَشْتَرِيهَا لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّهَا صُفْرٌ وَالصُّفْرُ لَيْسَ بِمَالِ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ طَلَبِ النَّمَاءِ مِنْهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ لِلنَّفَقَةِ.

وَذَكَر بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصَّبَّاغَ إذَا اشْتَرَى الْعُصْفُرَ وَالزَّعْفَرَانَ لِيَصْبُغَ بِهِمَا ثِيَابَ النَّاسِ فَعَلَيْهِ فِيهِمَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ الصَّبْغِ الْقَائِمِ بِالثَّوْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ يُصَارُ إلَى التَّقْوِيمِ فَكَانَ هَذَا مَالُ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْقَصَّارِ إذَا اشْتَرَى الْحَوْضَ وَالصَّابُونَ وَالْقَلْيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ آلَةُ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يَبْقَى فِي الثَّوْبِ عَيْنُهُ فَمَا يَأْخُذُ مِنْ الْعِوَضِ يَكُونُ بَدَلَ عَمَلِهِ لَا بَدَلَ الْآلَةِ، وَنَخَّاسُ الدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى الْجِلَالَ وَالْبَرَاقِعَ وَالْمَقَاوِدَ فَإِنْ كَانَ يَبِيعُهَا مَعَ الدَّوَابِّ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ الدَّوَابَّ بِهَا وَلَا يَبِيعُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ عِنْدَ شِرَائِهَا، ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْإِعَارَةِ صَارَ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ اقْتَرَنَتْ بِعَمَلِ التِّجَارَةِ، وَلَوْ وَرِثَ مَالًا فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْعَمَلِ فَالْمِيرَاثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةُ فِي مَالٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ إلَّا مَقْرُونَةً بِعَمَلِ التِّجَارَةِ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: التِّجَارَةُ عَقْدُ اكْتِسَابِ الْمَالِ فَمَا لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبُولِهِ فَهُوَ كَسْبُهُ فَيَصِحُّ اقْتِرَانُ نِيَّةِ التِّجَارَةِ بِفِعْلِهِ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ.

(قَالَ:) وَمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْمِهْنَةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَرْكَ التِّجَارَةِ وَهُوَ تَارِكٌ لَهَا لِلْحَالِ فَاقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَبِيدٌ لِلْخِدْمَةِ فَنَوَى التِّجَارَةَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ يَبِعْهُمْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَجَرَّدَتْ عَنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا وَالْمُقِيمُ يَنْوِي السَّفَرَ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى السَّفَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>