للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَضَى فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، وَأَلْحَقَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَأَلْغَى الْأَرْضَ» وَبِهَذَا يَأْخُذُ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ فَيَقُولُ: الْمُزَارَعَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاسِدَةٌ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَدَّانِ وَهِيَ الْبَقَرُ وَآلَاتُ الزِّرَاعَةِ عَلَى أَحَدِهِمْ مَقْصُودًا بِهِ وَبِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً عَلَى الِانْفِرَادِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، ثُمَّ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَا بَذَرَهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَهُ بِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَأَلْغَى الْأَرْضَ يَعْنِي: لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ الْخَارِجِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ، بَلْ يَسْتَوْجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَصَاحِبِ الْفَدَّانِ، وَقَدْ أَعْطَاهُ أَجْرًا مُسَمًّى، وَالْمُرَادُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَصَاحِبِ الْعَمَلِ فَقَدْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ سَلَّمَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مَنْفَعَةَ الْفَدَّانِ، وَالْعَامِلُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِلْغَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ، فَكَانَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُ: " الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ " أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي الْمُشْكِلِ وَقَالَ: الْبَذْرُ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا؛ لِأَنَّ النَّبَاتَ يَحْصُلُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ، فَيَكُونُ النَّابِتُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَجَعْلُ الْأَرْضِ كَالْأُمِّ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ الْوَلَدُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِ الْأُمِّ لَا لِصَاحِبِ الْفَحْلِ، وَلَكِنْ هَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَكُلُّ قِيَاسٍ بِمُقَابَلَتِهِ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ فِي الْحَيَوَانَاتِ تُوجَدُ الْحَضَانَةُ مِنْ الْأُمِّ لِمَاءِ الْفَحْلِ فِي رَحِمِهَا، وَفِي حِجْرِهَا بِلَبَنِهَا نُمُوُّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جُعِلَتْ تَابِعَةً لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ الْخَارِجُ نَمَاءُ الْبَذْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْبَذْرِ وَقُوَّةِ الْأَرْضِ، وَيَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ جِنْسُ الْخَارِجِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْبَذْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَكُونُ نَمَاءَ الْبَذْرِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُزَارَعَةٍ فَاسِدَةٍ أَنَّ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ إنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأُجَرَائِهِ أَوْ بِغِلْمَانِهِ، أَوْ بِقَوْمٍ اسْتَعَانَ بِهِمْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَيَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، قَوْلُ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعِنْدَهُمَا الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ هُنَا كَمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ صَاحِبُ الْبَذْرِ يُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْخَارِجِ فَيَدْفَعَ فِيهِ مِثْلَ مَا بَذَرَ وَمِقْدَارَ مَا غَرِمَ فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ وَلِصَاحِبِ الْبَقَرِ فَيَطِيبَ لَهُ ذَلِكَ بِمَا غَرِمَ فِيهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ لِتَمَكُّنِ الْحِنْثِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>