للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَا يَزْدَادُ بِعَمَلِهِ، وَالشَّرِكَةُ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا يَحْدُثُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ أَوْ يَزْدَادُ بِعَمَلِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا. وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ الْعَامِلُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ طَلْعًا فِي نَخْلٍ، أَوْ بُسْرًا أَخْضَرَ؛ فَتَرَكَهُ فِي النَّخْلِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى صَارَ تَمْرًا - تَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ؛ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِي الْمُشْتَرَى بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ مِنْ نَخْلِ صَاحِبِ النَّخْلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ بُسْرٌ أَحْمَرُ قَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ مِنْ النَّخْلِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا النُّضْجُ وَاللَّوْنُ وَالطَّعْمُ يَحْدُثُ فِيهِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَبَبُ ذَلِكَ عَلَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا - الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ، فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ خُبْثٌ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِإِيضَاحِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا الْفَصْلِ فِي الْبُيُوعِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَطْبَةً لَهُ فِي أَرْضٍ قَدْ صَارَتْ بَلَحًا وَلَمْ تَنْتَهِ إلَى أَنْ تُجَذَّ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَسْقِيَهَا وَيَقُومَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ، وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا مَعْلُومًا - فَهُوَ فَاسِدٌ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّطْبَةِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ تَنْتَهِي إلَيْهَا - فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَطْبَةً قَدْ انْتَهَى إحْرَازُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَسْقِيَهَا حَتَّى تُخْرِجَ بَذْرَهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَذْرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَمْ يُسَمِّيَا وَقْتًا - فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ أَوَانًا مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُزَارِعِينَ، وَالْبَذْرُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَالرَّطْبَةُ لِصَاحِبِهَا. وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الرَّطْبَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا لَا يَنْمُو بِعَمَلِ الْعَامِلِ، وَالرَّطْبَةُ لِلْبَذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَشْجَارِ لِلثِّمَارِ، فَكَمَا أَنَّ شَرْطَ الشَّرِكَةِ فِي الْأَشْجَارِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ مَعَ الثِّمَارِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهِيَ قِدَاحٌ لَمْ تَتَنَاهَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَةَ هُنَا تَنْمُو بِعَمَلِهِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ، وَلِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ أَوَانٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَضُرُّهُمَا تَرْكُ التَّوْقِيتِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ غِرَاسَ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ نَخْلٍ قَدْ عَلِقَ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَ نَخْلَهُ، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ فَاسِدَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّي سِنِينَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي فِي كَمْ تَحْمِلُ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ، وَالْأَشْجَارُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَإِنْ بَيَّنَّا مُدَّةً مَعْلُومَةً صَارَ مِقْدَارُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ مَعْلُومًا فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا أَوْ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا قَدْ أَطْعَمَ، وَبَلَغَ سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَ نَخْلَهُ وَيَكْسَحَ كَرْمَهُ، عَلَى أَنَّ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ وَالشَّجَرَ وَالْخَارِجَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهَذَا فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ لَا بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَهُوَ الْأَشْجَارُ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>