للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ انْعَدَمَ بِالْإِسْلَامِ، فَلِهَذَا يُقَامُ عَلَيْهِ، وَتَزْوِيجُ السَّكْرَانِ، وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، وَهِبَتُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كَالصَّاحِي، وَبِالسُّكْرِ لَا يَنْعَدِمُ عَقْلُهُ إنَّمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ السُّرُورُ، فَيَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ عَقْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِبَ مُكْرَهًا، أَوْ طَائِعًا، فَأَمَّا إذَا شَرِبَ الْبَنْجَ، أَوْ شَيْئًا حُلْوًا، فَذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ.

وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ سَكْرَانُ، أَوْ شَهِدَ السَّكْرَانُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَجُلٌ، فَاسِقٌ، وَأَنَّهُ سَكْرَانُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ ارْتَدَّ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ اسْتِحْسَانًا قَالَ: لَا أَظُنُّ سَكْرَانًا يَنْفَلِتُ مِنْ هَذَا، وَأَشْبَاهِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السِّيَرِ، وَإِذَا أُتِيَ الْإِمَامُ بِرَجُلٍ شَرِبَ خَمْرًا، وَشَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ، فَقَالَ: إنَّمَا أُكْرِهْت عَلَيْهَا، أَوْ قَالَ: شَرِبْتهَا، وَلَمْ أَعْرِفْهَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ قَدْ ظَهَرَ، وَهُوَ يَدَّعِي عُذْرًا مُسْقِطًا، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ إذْ لَوْ صُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لَانْسَدَّ بَابُ إقَامَةِ حَدِّ الْخَمْرِ أَصْلًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّانِي إذَا ادَّعَى النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ يُنْكِرُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ، فَبِالنِّكَاحِ يَخْرُجُ الْفِعْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا مَحْضًا، وَهُنَا بَعْدَ الْإِكْرَاهِ، وَالْجَهْلِ لَا يَنْعَدِمُ السَّبَبُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ إنَّمَا هَذَا عُذْرٌ مُسْقِطٌ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ.

، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ هَكَذَا نُقِلَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ»؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ جَمْعِ الْفَسَقَةِ، وَإِظْهَارُ الرِّضَا بِصَنِيعِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فِي عَشْرِ دَوَارِيقَ عَصِيرِ عِنَبٍ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ يُطْبَخُ، فَيُغْلَى، فَيَقْذِفُ بِالزَّبَدِ، فَجَعَلَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الزَّبَدَ حَتَّى جَمَعَ قَدْرَ دَوْرَقٍ، فَإِنَّهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثَلَاثَةَ دَوَارِيقَ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّبَدِ انْتَقَصَ مِنْ أَصْلِ الْعَصِيرِ، فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فِي الْحِسَابِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْعَصِيرِ تِسْعَةُ دَوَارِيقَ، فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُثَلَّثًا إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ ثَلَاثَةُ دَوَارِيقَ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ دَوْرَقٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ الْغَلَيَانِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ مَا نَقَصَ بِالْغَلَيَانِ فِي مَعْنَى الدَّاخِلِ فِيمَا بَقِيَ، فَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّبْخُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَا الْعَصِيرِ.

وَلَوْ صَبَّ رَجُلٌ فِي قِدْرٍ عَشَرَةَ دَوَارِيقَ عَصِيرًا، وَعِشْرِينَ دَوْرَقًا مَاءً، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَذْهَبُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ الْعَصِيرِ، فَإِنَّهُ يَطْبُخُهُ حَتَّى يَذْهَبَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِهِ، وَيَبْقَى التُّسْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالْغَلَيَانِ، فَالذَّاهِبُ هُوَ الْمَاءُ فَقَطْ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْبُخَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْعَصِيرِ، وَيَبْقَى ثُلُثَهُ، وَهُوَ سُبْعُ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ بِالْغَلَيَانِ مَعًا طَبَخَهُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِالْغَلَيَانِ ثُلُثَا

<<  <  ج: ص:  >  >>