للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرَامٌ.

، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَحَبُّ لِلْقَوِيِّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الطَّعَامِ، وَدَفْعِهِ إلَى الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ لَا يُجْحِفُ بِهِ غُرْمَهُ، وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يُجْحَفُ بِهِ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ لَا يَأْخُذَهُ، وَلَوْ رَأَى رَجُلًا يَقْتُلُ رَجُلًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى مَنْعِهِ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِ الَّذِي أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ، فَضْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَلْتَزِمُ غُرْمًا بِهَذَا الدَّفْعِ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِ الْقَاصِدِ، فَالْقَاصِدُ بَاغٍ قَدْ أُبْطِلَ دَمُهُ بِمَا صَنَعَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ، فَقَتَلَهُ الْمَقْصُودُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ، فَقَتَلَهُ هَذَا الَّذِي يَقْوَى عَلَيْهِ، فَأَمَّا فِي فَضْلِ الْمَال الْقَوِيِّ، فَيَلْتَزِمُ الْغُرْمَ بِمَا يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ الضَّرُورَةِ لِلْمُضْطَرِّ لَا تَسْقُطُ الْحُرْمَةُ، وَالْقِيمَةُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ، فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ انْتَهَوْا إلَى بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ، فَمَنَعَ الْمُضْطَرَّ مِنْ الشُّرْبِ مِنْهَا، فَلَمْ يَقْوَ عَلَيْهِمْ، وَقَوِيَ صَاحِبُهُ عَلَى قِتَالِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَاءَ، فَيَسْقِيَهُ إيَّاهُ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ أَتَى عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ فِي مَنْعِ الْمُضْطَرِّ حَقَّهُ، فَحَقُّ السُّقْيَا فِي مَاءِ الْبِئْرِ ثَابِتٌ لِكُلِّ أَحَدٍ.

وَلَوْ قَوِيَ الْمُضْطَرُّ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَقْتُلَهُمْ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ مِنْ يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ رُفَقَائِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ غُرْمًا يَفْعَلُهُ فَهُوَ نَظِيرُ الْقَاصِدِ إلَى قَتْلِ الْغَيْرِ، فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ الَّذِي أَحْرَزُوهُ فِي أَوْعِيَتِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ عَلَيْهِ إنْ مَنَعُوهُ، فَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْتِزَامِ الْغُرْمِ بِأَخْذِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْبِئْرِ لَوْ بَاعُوهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَزُوهُ فِي أَوْعِيَتِهِمْ. .

وَلَوْ بَذَلُوا لَهُ الطَّعَامَ، أَوْ الشَّرَابَ بِثَمَنِ مِثْلِ مَا يُشْتَرَى بِهِ مِثْلُهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ كَانَ آثِمًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَاتِلِ نَفْسِهِ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِبَقَائِهِ مَعَ قُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وَلِأَنَّهُ مُلْقٍ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ عِنْدَ عَرْضِهِمْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ، وَاجِدًا لِلثَّمَنِ.

وَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ هَذَا الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ، أَوْ لَتَقْتُلَنَّ ابْنَك هَذَا، أَوْ أَبَاك لَمْ يَسَعْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّهْدِيدِ بِالْحَبْسِ فِي حَقِّهِ كَمَا قَرَّرْنَا.

وَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَتَقْتُلَنَّ ابْنَك هَذَا، أَوْ أَبَاك، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ، فَالْمُكْرَهُ مَنْ يُهَدَّدُ بِشَيْءٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَبِمَا هُدِّدَ بِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهُ، فَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ رَاضِيًا عَادَةً بِقَتْلِ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ، ثُمَّ هَذَا يُلْحِقُ الْهَمَّ، وَالْحَزَنَ بِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ، وَالْإِكْرَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>