للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَحْصُلُ لَهُ رُشْدٌ مَا وَفِي الْكِتَابِ تَتَبُّعٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي مَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ مَعَ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ وَفِي مَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ زَمَانًا ثُمَّ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ السَّفِيهُ إنَّمَا يُبَذِّرُ مَالَهُ عَادَةً فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ، أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ، فَإِذَا كَانَتْ يَدُهُ مَقْصُورَةً عَنْ الْمَالِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْفِيذِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِمَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِدُونِ حَجْرِ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا، ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ فِي ثُبُوتِ الْحَجْرِ بِهِ نَظِيرَ الْجُنُونِ، وَالْعَتَهِ وَالْحَجْرُ يَثْبُتُ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، فَكَذَلِكَ فِي السَّفَهِ وَقَاسَ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَالرِّقِّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّظَرِ وَالضَّرَرِ، فَفِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ نَظَرٌ، وَفِي إهْدَارِ قَوْلِهِ ضَرَرٌ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مِنْهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي: تَوْضِيحُهُ أَنَّ السَّفَهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يُغْبَنَ فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلسَّفَهِ، وَقَدْ تَكُونُ جِبِلَّةٌ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِرِينَ فَإِذَا كَانَ مُخْتَبَلًا مُتَرَدِّدًا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الصِّغَرِ، وَالْجُنُونِ وَالْعَبْدِ، وَلِأَنَّ الْحَجْرَ بِهَذَا السَّبَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَالْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ.

وَالْكَلَامُ فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ إذَا خِيفَ أَنْ يُلْجِئَ مَالَهُ بِطَرِيقِ الْإِقْرَارِ، فَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَعِنْدَهُمَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْحَجْرِ، وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيمَا يَكْتَسِبُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَهُ، وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا جَازَ عِنْدَهُمَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ، فَكَذَلِكَ يُحْجَرُ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْمَدْيُونِ نَظَرًا لَهُ، فَكَذَلِكَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ، وَلِمَا فِي الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغُرَمَائِهِ بِطَرِيقٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا، وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ ظُلْمِهِ الَّذِي تَحَقَّقَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَخَوْفُ التَّلْجِئَةِ ظُلْمٌ مَوْهُومٌ مِنْهُ، فَلَا يُجْعَلُ كَالْمُتَحَقِّقِ، ثُمَّ الضَّرَرُ عَلَيْهِ فِي إهْدَارِ قَوْلِهِ فَوْقَ الضَّرَرِ فِي حَبْسِهِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِ الْأَدْنَى عَلَى ثُبُوتِ الْأَعْلَى كَمَا فِي مَنْعِ الْمَالِ مِنْ السَّفِيهِ مَعَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.

ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>