للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ مِنْهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ.

وَالثَّانِي أَنَّ بَقَاءَ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ أَثَرُ ذَلِكَ الْإِذْنِ، وَبَقَاءُ أَثَرِ الشَّيْءِ كَبَقَاءِ أَصْلِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا أَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ يُجْعَلُ كَبَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ فِي الْمَنْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الَّذِينَ يُعَامَلُونَ مَعَهُ، وَالْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا صَارَ الْكَسْبُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْغُرَمَاءُ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ جَعَلْنَا بَقَاءَ أَثَرِ الْإِذْنِ كَبَقَاءِ أَصْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ الْإِذْنِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَمِرٌّ فَإِنَّهُ جَعَلَ السُّكْرَ فِي الْعَصِيرِ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ صِفَةِ الْحَلَاوَةِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ هُوَ الْخَصْمُ فِي حُقُوقِ تِجَارَاتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ بِالْمُشْتَرِي عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حُقُوقِ تِجَارَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ كَانَ كَلَامُهُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمِلْكِ عَلَى الْمَوْلَى ابْتِدَاءً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَأَمَّا مَا بَقِيَ الْكَسْبُ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ فِي الْمَعْنَى إنْكَارًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَبِخِلَافِ إنْشَاءِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ إثْبَاتُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ وَإِقَامَةُ أَثَرِ الْإِذْنِ مَقَامَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَا أَثَرَ لِلْإِذْنِ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِمَّا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْعَيْنُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إقْرَارُهُ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي إقْرَارًا بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ اتَّبَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ فِيهِ فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بَعْدَ الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِ فَإِنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ مُلْزِمٌ إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا أَوْ كَانَ صَغِيرًا حُرًّا أَوْ مَعْتُوهًا فَأَقَرُّوا بَعْدَ الْإِذْنِ أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِمْ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُمْ فِي الْحَالِ إقْرَارًا بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أَحَدِهِمْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِأَلْفٍ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ أَوْ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْمَالِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>