للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عُقْرُهَا، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ بَقِيَ الْوَلَدُ سَالِمًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ.

(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ أَجَرَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْأُجْرَةَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ أَخَذَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَنَقُولُ: إذَا مَضَى ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْجِيلُ هُنَا فَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِحَسَبِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا مَضَتْ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ فَإِذَا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ ثَلَثَمِائَةٍ أُخْرَى، ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ فَإِنَّمَا تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ ثَمَانِمِائَةٍ إلَّا مِقْدَارَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ الْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ الثَّانِي ثَلَثَمِائَةٍ أُخْرَى فَتَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي وَمَالُهُ ثَمَانُمِائَةٍ إلَّا أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ الْخَمْسِمِائَةِ دَيْنٌ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الْكُسُورُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِهِمَا تُعْتَبَرُ الْكُسُورُ.

وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي يُوجِبُ فِيهَا الزَّكَاةَ فِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ رِوَايَةُ هَذَا الْكِتَابِ وَالْجَامِعِ وَالْأَمَالِي وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأُجْرَةَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَتِهَا ثُمَّ عَلَى هَذَا الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْقَبْضِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْ مِائَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ، وَإِنْ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ بِحَالٍ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ مَالِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يَقْبِضْ مِائَتَيْنِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ إذَا قَبَضَ مِنْهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي حُكْمِ التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ هُوَ ثَمَنُ مَالِ التِّجَارَةِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ أَجَّرَهَا كُلَّ سَنَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ مَا لَمْ يَمْضِ كَمَالُ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِنْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ أُخْرَى زَكَّى أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَلَكَ مِائَتَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>