للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا؛ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ ثُمَّ هُنَاكَ اسْتِيلَادُهُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا دُونَ الْعُقْرِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَبِهَذَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الِاسْتِيلَادِ، وَالْإِعْتَاقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ الصَّغِيرِ أَنَّ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ اسْتِحْسَانٌ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا كَمَا لَا يَمْلِكُ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ وَلَدَ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ، فَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ وَلَدَ أَمَةِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ.

وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ هُنَاكَ: لَا يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ بِالِاسْتِيلَادِ كَأَنَّهُ اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ بِالْتِزَامِ قِيمَتِهَا، وَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي انْتِقَاءِ الْعُقْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَمْلِكُهَا مَادَامَ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَيُقَدِّمُ تَمْلِيكَهَا مِنْهُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَاسِقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا عَلَى الِاسْتِيلَادِ؛ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا لَا يَجِبُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا حَقِيقَةً، وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَامِنًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَقَدْ ضَمِنَ لَهُمْ جَمِيعَ قِيمَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ عُقْرَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَأْذُونِ.

وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ الْمَأْذُونِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ، وَمَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَضَى الْغُرَمَاءُ الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ حَتَّى صَارَ فِي قِيمَتِهِ وَفِيمَا فِي يَدِهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ جَازَ عِتْقُ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَعْتَقَهَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا تَامًّا، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مَانِعًا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ نَفَذَ الْعِتْقُ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ الْمَأْذُونِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَدَعْوَاهُ جَائِزَةٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهَا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي الِاسْتِيلَادِ لِأَمَتِهِ، إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ الْجَارِيَةُ حُرَّةٌ؛ لِسُقُوطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا، وَالِاسْتِيلَادِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَقَّهُمْ عَنْهَا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَتْ حُرَّةً بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا، وَعَلَى الْمَوْلَى الْعُقْرُ لِلْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ إلَّا أَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ ذَلِكَ الْعِتْقِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا زَالَ الْمَانِعُ عَنْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ حُرَّةٌ فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ.

فَإِذَا ادَّعَى الْمَوْلَى بَعْضَ رَقِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>