للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِدُونِ الْآلَةِ لَا يَتَحَقَّقُ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ التَّنْصِيصِ فَأَمَّا إذَا قَالَا: لَا نَدْرِي فَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَثْبُتُ الِاتِّفَاقُ عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا إذَا بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ بَيَانُهُ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِأَوَّلِ كَلَامِهِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُجِيزَ شَهَادَتَهُمَا وَنُوجِبَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ اتِّفَاقُهُمَا فِيمَا صَرَّحَا بِهِ فِي شَهَادَتَيْهِمَا وَذَلِكَ أَصْلُ الْقَتْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِنَصٍّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ وَأَصْلُ الْقَتْلِ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ فَاتِّفَاقُهُمَا عَلَيْهِ يَكُون اتِّفَاقًا عَلَى هَذَا الْمُوجِبِ فَأَمَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشُّهُودُ لِذَلِكَ وَبِاخْتِلَافِ الْآلَةِ إنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْقِصَاصِ. فَتَوَهُّمُ اخْتِلَافِ الْآلَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ لَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الدِّيَةَ هُنَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ عَنْهُ مَعْنَى الشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَمْدًا لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَمَعَ الشَّكِّ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَانَتْ فِي مَالِهِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَرَفَا الْآلَةَ، وَأَنَّ الْفِعْلَ كَانَ عَمْدًا بِسِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ، وَالْفِعْلُ الْمُطْلَقُ يَكُونُ بِآلَتِهِ وَآلَةُ الْقَتْلِ السِّلَاحُ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ الْمُطْلَقُ يَكُونُ مِنْ الْعَامِدِ إلَّا أَنَّهُمَا سَتَرَا ذَلِكَ لِدَرْءِ الْقَوَدِ وَيُحْمَلُ الْوَلِيُّ عَلَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِالدِّيَةِ، وَقَدْ نُدِبَا إلَى ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا شَهَادَتَهُمَا، بَلْ - يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا هُوَ مُوجِبُ شَهَادَتِهِمَا.

وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ جَائِزَةٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَفِي كُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ وَلَا تَجُوزُ فِيمَا فِيهِ قِصَاصٌ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّلَالَةَ، وَالنِّسْيَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِنَّ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلٌ وَفِي الْبَدَلِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْأَصْلِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَيَثْبُتُ بِهِ مَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهُوَ الْمَالُ، ثُمَّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إذَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْقِصَاصِ لَا يَقْضِي بِالْمَالِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْقَاتِلَ إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ يَقْضِي بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْقَوَدِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ اشْتِغَالُهُ بِإِقَامَةِ حُجَّةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ، وَالْوَلِيُّ لَا يَنْفَرِدُ بِأَخْذِ الْمَالِ بِدُونِ رِضَا الْقَاتِلِ وَهُنَاكَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْقَوَدِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ، وَهُوَ إقْرَارُهُ بِالْخَطَأِ، فَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّضَا مِنْهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مَكَانَ الْقِصَاصِ بِرِضَا الْقَاتِلِ.

يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ لِلْحَقِّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتَمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ أَخْذِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>