للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ لَا تَقُومُ بِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُبَاشِرَةُ لِلْقَتْلِ فَعَلَيْهَا جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أَحَقُّ مِنْ الْعَوَاقِلِ بِاعْتِبَارِ مُبَاشَرَتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَعَلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وُجُوبُ جُزْءٍ عَلَى الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مِلْكِهِ إلَيْهِ وَفِي هَذَا: الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي تَدْبِيرِ مِلْكِهِ كَالْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ نَازِلًا فِي قَبِيلَةٍ مِنْ الْقَبَائِلِ فَوَجَدَ فِيهَا قَتِيلًا لَمْ يَدْخُلْ الذِّمِّيُّ فِي الْقَسَامَةِ وَلَا فِي الْغَرَامَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يُزَاحِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّدْبِيرِ فِي الْقَبِيلَةِ، وَالْمَحَلَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ أَتْبَاعٌ بِمَنْزِلَةِ السُّكَّانِ مَعَ الْمُلَّاكِ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.

وَإِذَا كَانَتْ مَدِينَةً لَيْسَ فِيهَا قَبَائِلُ مَعْرُوفَةٌ وُجِدَ فِي بَعْضِهَا قَتِيلٌ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْمُجَاوَرَةِ هَاهُنَا لَمَّا لَمْ تَجْمَعُهُمْ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَلَا دِيوَانٌ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ مَعْنَى النُّصْرَةِ؛ فَلِهَذَا أَلْزَمْنَاهُمْ الدِّيَةَ، وَالْقَسَامَةَ، وَإِذَا أَبَى الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ أَنْ يَقْسِمُوا حُبِسُوا حَتَّى يُقْسِمُوا؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ تُهْمَةِ الْقَتِيلِ، وَقَدْ ازْدَادَتْ بِنُكُولِهِمْ، وَالْأَيْمَانُ مَقْصُودَةٌ هَاهُنَا فَيُحْبَسُونَ لِإِيفَائِهَا.

وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، فَالدَّارُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالْعَبْدُ إنَّمَا يَقُومُ بِالتَّدْبِيرِ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِاسْتِدَامَةِ الْمَوْلَى الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَالْمَوْلَى أَخَصُّ بِهَذِهِ الدَّارِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُمْ مِنْ مَوَاضِعَ أُخَرَ وَيَسْتَخْلِصَ الدَّارَ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَهَذَا مُسْتَحْسَنٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَأْذُونِ وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ دِيَةِ الْقَتِيلِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِيَدِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ كَالْحُرِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ فِيهِ قَوْلًا مُلْزِمًا بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ فِي الْجِنَايَةِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ خَطَأً لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِ قَوْلٌ مُلْزِمٌ فِي ذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِي دَارِهِ كَالْمَوْجُودِ فِي دَارِ الْمَوْلَى.

وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ؛ لِيَتَامَى صِغَارٍ، وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ عَشِيرَتِهِمْ أَحَدٌ فَلَيْسَ عَلَى الْيَتَامَى قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ، وَلَكِنْ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ الدِّيَةُ، وَالْقَسَامَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرُوا الْقَتْلَ بِأَيْدِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُدْرِكًا فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا مُلْزِمًا فِي الْجِنَايَةِ، ثُمَّ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ الدِّيَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَةُ الْيَتَامَى فَإِنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَالتَّنَاصُرِ بِالدِّيوَانِ، فَحَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَحَالِ النِّسَاءِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>