للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا حَتَّى نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَقَوْمَهُ فَجَعَلَهُمْ أَهْلَ عَطَاءٍ وَجَعَلَ عَطَاءَهُمْ الدَّنَانِيرَ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدَّنَانِيرِ دُونَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي مَا لَهُمْ عَطَاءٌ فَيَقْضِي بِالدِّيَةِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِمْ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَقَوْمَهُ إلَى الْعَطَاءِ وَجَعَلَ عَطَاءَهُمْ الدَّنَانِيرَ أَخَذُوا بِالْإِبِلِ أَوْ بِقِيمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُ الْعَطَاءِ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْإِبِلِ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَعَيَّنَتْ دِيَةٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْحَيَوَانُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ ذَلِكَ الْقَضَاءِ بِصَيْرُورَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَلَكِنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُ الْعَطَاءِ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْإِبِلِ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَا لَهُمْ، وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ أَهْلَ الْعَطَاءِ صَارَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ: هُنَاكَ أَبْهَمَ الْجَوَابَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَاذَا يُؤْخَذُ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ هَاهُنَا فَقَالَ: تُؤْخَذُ قِيمَةُ الْإِبِلِ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ قَضَى مِنْ جِنْسِ الْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ جِنْسًا مِنْهَا بِقَضَائِهِ حَتَّى صَارُوا أَهْلَ عَطَاءٍ، وَإِنَّمَا يُعَيِّنُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعَطَاءِ وَيَأْخُذُهُ مِنْ الْعَطَاءِ وَهَا هُنَا عَيَّنَ الْجِنْسَ عِنْدَ قَضَائِهِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ الرَّأْيُ إلَيْهِمْ إنْ شَاءُوا أَدَّوْا الْإِبِلَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا الْقِيمَةَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُ الْعَطَاءِ تُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ.

وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَلَمْ يَقْضِ بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ بِشَيْءٍ حَتَّى أَبْرَأَ أَوْلِيَاءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلِلْجَانِي أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ عَنْ الَّذِي وَالَاهُ؛ لِأَنَّ بِإِبْرَائِهِ سَقَطَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ عَلَى الَّذِي وَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ؛ لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِتَأَكُّدِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْعَاقِلَةِ بِالْإِبْرَاءِ وَسُقُوطِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ سَوَاءٌ وَمَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْجَانِي فَالْإِبْرَاءُ يَكُونُ إسْقَاطًا عَنْ الْعَاقِلَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِبْرَاءُ وَلَا الْقَضَاءُ حَتَّى تَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ الْأُولَى الْبَاقِيَةِ، فَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَوَّلَ حَتَّى لَوْ كَانَ أَقَرَّ الْجَانِي بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ سَوَاءٌ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِإِقْرَارِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>