للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ هُوَ النَّذْرُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَتَّى يَبْرَأَ فَعِنْدَ الْبُرْءِ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلنَّذْرِ وَالصَّحِيحُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَهُنَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْأَدَاءِ إدْرَاكُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ وَالْمُسَافِرُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ

(قَالَ): مُسَافِرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ فَأُفْتِيَ بِأَنَّ صِيَامَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَأَنَّهُ عَاصٍ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] فَصَارَ هَذَا الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ كَالشَّهْرِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ وَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ».

(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، وَهَذَا يَعُمُّ الْمُسَافِرَ وَالْمُقِيمَ ثُمَّ قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ لِبَيَانِ التَّرَخُّصِ بِالْفِطْرِ فَيَنْتَفِي بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لَا جَوَازُهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرِو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ أَفَأَصُومُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صُمْ إنْ شِئْت» وَفِي حَدِيثِ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِهِمْ إذَا كَانَ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ عَلَى مَا رَوَى «أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ مَغْشِيٍّ عَلَيْهِ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَقِيلَ إنَّهُ صَائِمٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» يُعْنَى لِمَنْ هَذَا حَالُهُ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُسَافَرَةَ فِي رَمَضَانَ لَا بَأْسَ بِهَا وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ يَسْتَدِيمُ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ وَلَا يُنْشِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى أَتَى قَدِيدًا فَشَكَا النَّاسُ إلَيْهِ فَأَفْطَرَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ» فَإِنْ سَافَرْتَ فِي رَمَضَانَ فَقَدْ سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ صُمْت فَقَدْ صَامَ، وَإِنْ أَفْطَرْت فَقَدْ أَفْطَرَ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ.

وَالثَّالِثُ إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالْفِطْرِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ ذَلِكَ لِمَنْ أَهَلَّ الْهِلَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>