للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْقِسْمَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْهِبَةِ لِيَتِمَّ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِوَصِيَّةٍ فَقَبِلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ فَرَدُّهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فَسْخٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَيِّتِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا إذَا قَبِلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِالْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ أَصْلُ هَذَا الْعَقْدِ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولُ كَذَلِكَ يَجُوزُ فَسْخُهُ بِالتَّرَاضِي وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ التَّمْلِيكِ وَالشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَعَ صِحَّتِهِ، وَهَذَا فَسَخَ الْوَصِيَّةَ وَالشُّيُوعُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسْخِ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ، إنْ رَدَّهَا عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهُ لِمَنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّمَلُّكُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنَجْعَلُ ذَلِكَ كَالرَّدِّ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوصِي، وَالرَّدُّ فَسْخٌ لِذَلِكَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوصِي أَيْضًا، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَرَثَةِ فِي حُقُوقِهِمْ كَجَمَاعَتِهِمْ، فَكَانَ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَوْ هَذَا فَسْخٌ لِقَبُولِهِ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْقَبُولِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، إنَّمَا كَانَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إذَا أَبَوْا ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَعَنْ مُوَرِّثِهِمْ فَإِذَا رَضُوا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمْ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي فَسْخِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ، وَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ الطَّالِبُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فَهُوَ هِبَةٌ لَهُمْ كُلِّهِمْ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بِهَذِهِ الْهِبَةِ لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ يُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ لَهَا، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخَادِمٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَوَهَبَ إنْسَانٌ لِلْخَادِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْخَادِمُ هِيَ الثُّلُثُ، ثُمَّ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَلَهُ الْخَادِمُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي قَدِيمٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ لِانْعِدَامِ الْقَبُولِ مِنْهُ، وَالْكَسْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ السَّبَبِ فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخَادِمُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ جَمِيعُ الْأَلْفِ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَتْ لَهُ فَكَذَلِكَ يُسَلَّمُ لَهُ ثُلُثُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ فَلَهُ الْخَادِمُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ، وَالْهِبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثُّلُثُ مِنْ الْخَادِمِ وَوَلَدِهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا بِالْحِصَّةِ لَا يُقَدَّمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ، وَقَبْلَ تَمَامِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا وَلَدَتْ جُعِلَ الْوَلَدُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي اقْتِسَامِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>