للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ لَا تَفْسُدُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الْعَيْنِ قَوْلٌ تَكَرَّرَ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ.

وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ وَكِيلِي فِيمَا تَرَكْت بَعْدَ مَوْتِي جَعَلَهُ وَصِيًّا لَهُ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيٌّ سَوَاءٌ شَهِدَ بِلَفْظَةِ الْوِصَايَةِ أَوْ بِلَفْظَةِ الْوَكَالَةِ.

قَالَ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْمُوصَى لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ لِلْمَيِّتِ شَهَادَةً بَعْدَ أَنْ يُدْرِكَ وَرَثَتُهُ وَيَقْبِضُوا مَا لَهُمْ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ ذَلِكَ جَازَ قَبْضُهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَ هُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ فِيمَا كَانَ خَصْمًا فِيهِ.

وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْكَبِيرِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ لِلصَّغِيرِ فَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ.

وَإِذَا شَهِدَ لِلْكَبِيرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِيمَا لِلْكَبِيرِ الْحَاضِرِ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ حِينَ كَانَ هَذَا الْكَبِيرُ صَغِيرًا فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا فِيهِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّهَادَاتِ وَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ، وَتَجُوزُ لِلْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِقَبُولِهِ الْوِصَايَةَ فِيمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ فَأَمَّا فِيمَا لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ لِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ، وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ لَهُمَا بِالثُّلُثِ، وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لَاقَتْ مَحَلًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا بِهَذَا الْعَبْدِ وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ فَالشَّهَادَةُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا فِي مَحَلٍّ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ فَصْلُ الدَّيْنِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: حَقُّ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِهَا فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ تُلَاقِي مَحَلًّا مُشْتَرَكًا فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ التَّرِكَةِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: كُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>