للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ فِي حَالِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى الْكَفَنِ لَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلَ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ «هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ» ثُمَّ الْكَفَنُ لِبَاسُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُعْتَبَرُ بِلِبَاسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلِبَاسُهُ فِي حَيَاتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِهِ حَتَّى لَا يُبَاعَ عَلَى الْمَدْيُونِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِهِ. فَكَذَلِكَ لِبَاسُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَنْ مَاتَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَكْفِينُهُ فَيُكَفَّنُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَالُهُ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْكَفَنَ أَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ بَعْدَ الْكَفَنِ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّكُمْ تُقِرُّونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّكَ تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَجِّ فَقَالَ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] فَقَالَ كَيْفَ تَقْرَءُونَ آيَةَ الدَّيْنِ فَقَالُوا {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] فَقَالَ بِمَاذَا يُبْدَأُ فَقَالُوا بِالدَّيْنِ قَالَ هُوَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَإِنَّهُ يُفَكُّ بِهِ رِهَانُهُ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ، ثُمَّ قَضَاءُ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ لَيْسَ يَتَمَلَّكُ مَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُ فِي الْحُكْمِ يَأْخُذُ مَا كَانَ لَهُ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَالْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَأَيَّدَ هَذَا كُلَّهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَسْعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيمَتِهِ»، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ.

وَعَلَى هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا. فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُورِثَ فِي الْمَالِ وَالْمَالُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَيِّتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالدَّيْنِ كَالْمَرْهُونِ. فَكَذَلِكَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَوَانَ الْمِيرَاثِ مَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ أَوَانَهُ فَيَكُونُ حَالُ الدَّيْنِ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُورِثِ فِي الْمَعْنَى، ثُمَّ الْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ حَاجَتِهِ. فَأَمَّا الْمَشْغُولُ بِحَاجَتِهِ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ.

وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِتَرِكَتِهِ فَالْمَالُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ وَقِيَامُ الْأَصْلِ يَمْنَعُ ظُهُورَ حُكْمِ الْخَلَفِ، وَلَا يَقُولُ يَبْقَى مَمْلُوكًا بِغَيْرِ مَالِكٍ، وَلَكِنْ تَبْقَى مَالِكِيَّةُ الْمَدْيُونِ فِي مَالِهِ حُكْمًا لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعْتَبَرُ مِيرَاثًا لِلْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عِنْدَنَا لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَى وِلَايَةٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>