للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ مَا حَرُمَ بِالْكُفْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١]، وَهَذَا فِي الْمَعْنَى لَيْسَ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فَتِلْكَ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذِهِ حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ إلَى غَايَةٍ هِيَ الْإِسْلَامُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحُرْمَةِ سَبْعَةٌ أَيْضًا:

أَحَدُهُمَا: إذَا كَانَ تَحْتَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَأُخْتُهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَى الْأُخْتِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا».

وَالثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ فَالْخَامِسَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ إحْدَى الْأَرْبَعِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وَبِإِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ.

وَالثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْأَمَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ أَنْ يُفَارِقَ الْحُرَّةَ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهِيَ حُرْمَةٌ ثَابِتَةٌ شَرْعًا عِنْدَنَا لَا لِحَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى إنَّهَا وَإِنْ رَضِيَتْ لَمْ تَحِلَّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا رَضِيَتْ الْحُرَّةُ جَازَ وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ هَذَا الْقَوْلَ مَنْسُوبًا إلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَمُرَادُهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَالرَّابِعَةُ: إذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَأُخْتُهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ انْقِضَاءُ عِدَّةِ هَذِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ كَأَصْلِ النِّكَاحِ فِي إيجَابِ الْحُرْمَةِ كَمَا يُجْعَلُ الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي إيجَابِ الْحُرْمَةِ.

وَالْخَامِسَةُ: مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّةُ الْغَيْرِ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] أَيْ أَخَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥].

وَالسَّادِسَةُ: مُكَاتَبَةُ الرَّجُلِ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لَا يَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ إلَى أَنْ تَعْتِقَ بِالْأَدَاءِ فَيَنْكِحَهَا أَوْ تَعْجِزَ فَيَطَأَهَا بِالْمِلْكِ.

وَالسَّابِعَةُ: الْمُشْرِكَةُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ.

وَزَعَمَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ نِكَاحَ الْمُشْرِكَةِ لَا يَجُوزُ لِمُشْرِكٍ وَلَا لِلْمُسْلِمِ فَكَانَ يَقُولُ بِبُطْلَانِ أَنْكِحَةِ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْهُمْ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤]، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ لَمَا سَمَّاهَا امْرَأَتَهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أُولَدْ مِنْ سِفَاحٍ»، وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حِينَ أَسْلَمَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا بِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ بَلْ أَقَرَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِلْأَنْكِحَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ حُكْمَ الصِّحَّةِ، وَإِنَّ نِكَاحَ الْمُشْرِكَةِ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ خَاصَّةً لِخُبْثِهَا وَكَرَامَةِ الْمُسْلِمِ فَفِيهِ مَعْنَى الصِّيَانَةِ لَهُ عَنْ فِرَاشِ الْخَبِيثَةِ وَبِالنِّكَاحِ ثَبَتَ الِازْدِوَاجُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>