للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الطَّرِيقِ حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ

(قَالَ) وَيُغَلِّسُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ يَنْشَقُّ لَهُ الْفَجْرُ الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا بَيَّنَّا ثُمَّ يُغْفِي حَتَّى إذَا أَسْفَرَ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى إذَا تَرَكَهُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَعَلَى قَوْلِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْوُقُوفُ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨]، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ تَمَامَ حَجِّهِ بِهَذَا الْوُقُوفِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ هَذَا الْوُقُوفِ بِعُذْرٍ «فَإِنَّ ضُبَاعَةَ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِي عَنْهَا كَانَتْ شَاكِيَةً فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَصِيرِ إلَى مِنًى لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فَأَذِنَ لَهَا»، وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ»، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِعُذْرٍ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْوُقُوفَ مَعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَعَ طَوَافِ الصَّدَرِ ثُمَّ طَوَافُ الصَّدَرِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ بِعُذْرِ الْحَيْضِ فَكَذَا هَذَا، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا مُحَسِّرًا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ فِيمَا سَبَقَ.

(قَالَ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَ الْجَبَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قُزَحُ مِنْ وَرَاءِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَ لِوُقُوفِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقِفَ مِنْ وَرَاءِ الْإِمَامِ قَرِيبًا مِنْهُ لِيُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ فَإِنْ تَعَجَّلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ امْرَأَةٍ خَافَتْ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَإِنْ أَفَاضَ مِنْهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ، وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِيمَا صَنَعَ لِتَرْكِهِ امْتِدَادَ الْوُقُوفِ

(قَالَ) فَإِنْ مَرَّ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مَرًّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُ تَأَدَّى بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَرَّ بِهَا نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَمْ يَقِفْ مَعَ النَّاسِ حَتَّى أَفَاضُوا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ وُقُوفِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَكَذَلِكَ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَبِتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِأَنْ نَامَ فِي الطَّرِيقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>