للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَقَامَا مِنْ عِنْدِهِ وَجَعَلَ السَّائِلُ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إنَّ فَتْوَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تُغْنِي عَنْك شَيْئًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ فَأَرَى أَنْ تَنْحَرَ رَاحِلَتَك هَذِهِ، وَتُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللَّهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَدَعَاهُ وَعَلَاهُ بِالدُّرَّةِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي لَا أُحِلُّ لَك مِنْ نَفْسِي شَيْئًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك فَانْظُرْ لِنَفْسِك فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَاك حَسَنَ اللَّهْجَةِ وَالْبَيَانِ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] فَأَنَا ذُو عَدْلٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ذُو عَدْلٍ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُسَمَّى جَاهِلًا فِيكُمْ فَتَابَ الرَّجُلُ عَنْ مَقَالَتِهِ ثُمَّ احْتَجَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَذَكَرَ الْهَدْيَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَحْكُمُ أَوْ مَفْعُولُ حُكْمِ الْحُكْمِ فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ إلَى الْحَاكِمِ، وَفِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلَهُمَا حُكْمًا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْإِلْزَامَ إلَيْهِمَا، وَلَيْسَ إلَيْهِمَا إلْزَامُ أَصْلِ الْوَاجِبِ فَعَرَفْنَا أَنَّ إلَيْهِمَا التَّعْيِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا الْحَاجَةُ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِإِظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ فَبَعْدَ مَا ظَهَرَتْ الْقِيمَةُ فَهِيَ كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ لِمَا يُؤَدِّي بِهِ الْوَاجِبَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَكَمَا فِي ضَمَانِ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنَّ تَعْيِينَ مَا يُؤَدَّى بِهِ الضَّمَانُ إلَيْهِ دُونَ الْمُقَوِّمِينَ فَكَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

فَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ بِالْهَدْيِ فَعَلَيْهِ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ، وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَالْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا فَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ فَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا كَامِلًا فَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الصَّوْمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥] وَحَرْفُ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَقَاسَ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَقَالَ حَرْفُ " أَوْ " لَا يَنْفِي التَّرْتِيبَ فِي الْوَاجِبِ كَمَا فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ، وَلَكِنْ هَذَا خِلَافُ الْحَقِيقَةِ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ، وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ بَاطِلٌ، وَإِذَا اخْتَارَ الطَّعَامَ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الصَّيْدِ يُشْتَرَى بِهِ الطَّعَامُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ النَّظِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ النَّظِيرُ فَإِنَّمَا يُحَوِّلُهُ إلَى الطَّعَامِ بِاخْتِيَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>