للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَتْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَرَانِبُ وَالْيَرْبُوعُ يَجِبُ بِقَتْلِهِمَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْقُنْفُذِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْفَأْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ جَعَلَهُ كَالْيَرْبُوعِ فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَيَوَانِ حَمَلًا أَوْ عَنَاقًا لَمْ يُجْزِهِ الْحَمَلُ وَلَا الْعَنَاقُ مِنْ الْهَدْيِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَدْنَى مَا يَجْزِي فِي ذَلِكَ الْجَذَعُ الْعَظِيمُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيُّ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ ذَلِكَ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ، وَجُعِلَ هَذَا قِيَاسُ الْأُضْحِيَّةِ فَكَمَا لَا يَجْزِي هُنَاكَ التَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ دَمِ الْحَمَلِ وَالْعَنَاقِ كَمَقْصُودٍ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّصِّ هُنَا الْهَدْيُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَكَمَا لَا يُجْزِئُ الْحَمَلُ وَالْعَنَاقُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَا يُجْزِئُ هُنَا، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ اسْتِحْسَانًا بِالْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ بِهِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا فِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُسَمِّي الدَّرَاهِمَ وَالثَّوْبَ هَدْيًا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَالْحَمَلُ وَالْعَنَاقُ أَوْلَى فِي ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قِيَاسُهُ عَلَى هَدْيِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ يَكُونُ عَنَاقًا وَفَصِيلًا وَجَدْيًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى نَاقَةً فَنَتَجَتْ كَانَ وَلَدُهَا هَدْيًا مَعَهَا يُنْحَرُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَدْيٍ لَكَانَ يَتَصَدَّقُ بِهِ كَذَلِكَ قَبْلَ النَّحْرِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أُجَوِّزُهُ هَدْيًا تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا يُجَوِّزُ بِهِ التَّضْحِيَةَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا إذَا نَتَجَتْ الْأُضْحِيَّةُ

(قَالَ) وَفِي بَيْضِ النَّعَامَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْقِيمَةُ، وَفِي الْكِتَابِ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا أَوْجَبَا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ الْقِيمَةَ

(قَالَ) وَلَوْ أَنَّ الْمُحْرِمَ رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّهُ صِيدَ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ ذَلِكَ الْجُرْحِ بِالتَّكْفِيرِ فَقَتْلُهُ الْآنَ جِنَايَةٌ أُخْرَى مُبْتَدَأَةٌ فَيَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ إذَا كَفَّرَ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ إلَّا مَا نَقَصَهُ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَفَّرَ بِقِيمَةِ صَيْدٍ صَحِيحٍ مَجْرُوحٍ فَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِقِيمَةِ صَيْدٍ صَحِيحٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ مِنْهُ جِنَايَةٌ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ فِعْلٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بَاقٍ فَيُجْعَلُ الثَّانِي إتْمَامًا لَهُ فَأَمَّا بَعْدَ التَّكْفِيرِ قَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْفِعْلُ الثَّانِي جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً.

(قَالَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>