للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]، وَيَعُودُ حَرَامًا كَمَا كَانَ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ لِأَنَّ ذَبْحَ الْهَدْيِ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّحَلُّلِ فَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ لَمَّا كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْإِحْلَالِ بِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ لَا يَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِغَيْرِهِ

(قَالَ) وَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ مُعْسِرًا لَمْ يَحِلَّ أَبَدًا إلَّا بِدَمٍ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَيَّنٌ لِإِحْلَالِهِ بِالنَّصِّ كَمَا أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُتَعَيَّنٌ لِإِحْلَالِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَكَمَا لَا يَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِغَيْرِهِ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَكَانَ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ نَظَرَ إلَى قِيمَةِ الْهَدْيِ فَجَعَلَ ذَلِكَ طَعَامًا يُطْعِمُ بِهِ الْمَسَاكِينَ، كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، أَوْ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا فَيَتَحَلَّلُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْهَدْيِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَكَذَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ صَامَ مَكَانَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ عَلَى قِيَاسِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ لَكِنَّا نَقُولُ هَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ الْمَرْجِعُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَى مَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ

[مَا صَنَعَهُ الْمُحْصَرُ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ]

(قَالَ) وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُحْصَرُ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْرِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحْصَرٍ، وَكَذَلِكَ إنْ ذُبِحَ عَنْ الْمُحْصَرِ هَدْيُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَبْقَى حَرَامًا عَلَى حَالِهِ حَتَّى يَبْعَثَ بِهَدْيٍ فَيُذْبَحَ عَنْهُ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا

(قَالَ) وَيُجْزِئُهُ فِي هَدْيِ الْإِحْصَارِ الْجَذَعُ الْعَظِيمُ مِنْ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيُّ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ، وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَشْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي بَدَنَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا مَا يَجْزِي فِي الضَّحَايَا، وَاَلَّذِي يَجْزِي فِي الضَّحَايَا مَا سَمَّيْنَا فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَمَا ذُبِحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الَّذِي ذَبَحَهُ بَعْدَمَا ذُبِحَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ مَا أَكَلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ الْمُحْصَرِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمَبْعُوثِ عَلَى يَدِهِ لَا تَأْكُلْ أَنْتَ، وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا»، وَلِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ عَنْ الْمُحْصَرِ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ ضَامِنًا بَدَلَهُ، وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِبَدَلِهِ عَنْ الْمُحْصَرِ أَيْضًا

(قَالَ) وَإِنْ قَدِمَ مَكَّةَ قَارِنًا فَطَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَأُحْصِرَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ وَيَحِلُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَ حَجَّتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتِهِ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ حِينَ طَافَ لَهَا وَسَعَى، وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ فَلِهَذَا لَا يَبْعَثُ بِهَدْيٍ لِأَجْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>