للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَفْضَلَ أَنْ يَذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ بِقِيمَتِهِ

(قَالَ:): وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبَدَنَةِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ فَرَضِيَ وَارِثُهُ أَنْ يَذْبَحَهَا مَعَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْزَأَهُمْ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا لَمْ يُوصِ بِأَنْ يُذْبَحَ عَنْهُ فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ الْقُرْبَةِ عَنْ نَصِيبِهِ فَصَارَ مِيرَاثًا لِوَارِثِهِ وَالْوَارِثُ لَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ بِذَبْحِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَخَرَجَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ بِالذَّبْحِ تَقَرُّبٌ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَالْعِتْقِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّقَرُّبُ وَتَقَرُّبُ الْوَارِثِ بِالتَّصَدُّقِ عَنْ الْمَيِّتِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَكَذَلِكَ تَقَرُّبُهُ بِإِيفَاءِ مَا قَصَدَ الْمُوَرِّثُ فِي نَصِيبِهِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَالتَّصَدُّقُ بِهِ يَكُونُ صَحِيحًا

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبَدَنَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا يُرِيدُ بِهِ اللَّحْمَ دُونَ الْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِمْ. أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ كَافِرًا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي نَفْسِهِ لِوُجُودِ مَا يُنَافِي مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَهُوَ كُفْرُهُ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ الْوَاحِدِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَا يُنَافِي مَعْنَى الْقُرْبَةِ مَعَ الْمُوجِبِ لَهَا يَتَرَجَّحُ الْمُنَافِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُرَادُ أَحَدِهِمْ اللَّحْمَ فَلَا يُجْزِئُ الْبَاقِينَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِمَعْنَى الْقُرْبَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا لِيَكُونَ مُعَارِضًا وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ هَدْيٍ عَلَى حِدَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا نَوَى، وَلَكِنَّنَا نَقُولُ الَّذِي نَوَى اللَّحْمَ فَكَأَنَّهُ نَفَى مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي نَصِيبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيمَا ذَبَحَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ» فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يَكُونُ قُرْبَةً وَمَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ مَعَ الْمُجَوِّزِ يَتَرَجَّحُ الْمَانِعُ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ كَافِرًا، فَأَمَّا إذَا نَوَوْا الْقُرْبَةَ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُ قَصْدِهِمْ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَا تَسَعُ فِيهَا الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَصَدَ الْكُلُّ التَّقَرُّبَ فَكَانَتْ الْإِرَاقَةُ لِلَّهِ خَالِصًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَحَرَ بَدَنَةً يَنْوِي عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ الشُّرَكَاءُ

(قَالَ): وَلَا يَرْكَبُ الْبَدَنَةَ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا لِلَّهِ - جَلَّتْ قُدْرَتُهُ - خَالِصًا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا إلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ»، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ مُحْتَاجًا إلَى رُكُوبِهَا، فَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ شَيْءٌ ضَمِنَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ جُزْءًا مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>