للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِشَارَةِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالصَّيْدِ لَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى سِوَى ذَلِكَ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِصَيْدٍ هُنَاكَ فَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِهَا

وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَأَنْ يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ، وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ»، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَطْءُ وَبِسَبَبِ الْإِحْرَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ بِدَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ الْعَقْدُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا هَذَا وَهَذَا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْوَطْءِ بَلْ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَتَزَوَّجُ الْمَجُوسِيَّةَ، وَلَا أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَيْضًا وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَؤُلَاءِ، وَحُجَّتُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَهُوَ مُحْرِمٌ»، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ حَلَالٌ»، وَفِي بَعْضِهَا «تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا السَّفِيرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا» وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لِلْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعَارًا لِلْعَقْدِ مَجَازًا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْكَلَامُ وَاضِحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ جُعِلَ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ لَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ أَوْ إفْسَادِ الْإِحْرَامِ بِهِ لَا فِي بُطْلَانِ عَقْدِ النِّكَاحِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَبْقَى النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ صَحِيحًا، وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْإِحْرَامِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَكَانَ مُنَافِيًا لِلْبَقَاءِ كَتَمَجُّسِهَا وَالْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ وَلَمَّا لَمْ يُنَافِ بَقَاءَ النِّكَاحِ، فَكَذَلِكَ الِابْتِدَاءُ وَبِهَذَا فَارَقَ شِرَاءَ الصَّيْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فَيَمْنَعُ إثْبَاتَ الْيَدِ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرَّجْعَةُ سَبَبٌ يَحِلُّ الْوَطْءُ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا عَنْهُ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَأَصْلُ كَلَامِهِ يُشْكَلُ بِالظِّهَارِ فَإِنَّ الظِّهَارَ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ بِدَوَاعِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ ابْتِدَاءً بِأَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ فَارَقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَمْنَعُ الْمُحْرِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>