للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخْرِجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ إذَا صَارَ الزِّنَا عَادَةً لَهَا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ: يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ شَرْعًا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هَذَا مَوْجُودٌ وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ صِفَةِ الْحَيَاءِ.

وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالْوَثْبَةِ أَوْ الطَّفْرَةِ أَوْ بِطُولِ التَّعْنِيسِ يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا عِنْدَنَا وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ بِمَنْزِلَةِ الثَّيِّبِ اسْتِدْلَالًا بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِكْرٍ بَعْدَمَا أَصَابَهَا مَا أَصَابَهَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هِيَ بِكْرٌ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ، وَالْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بِاشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ فِي السَّرَائِرِ يُرِيدُونَ صِفَةَ الْعُذْرَةِ فَلِهَذَا ثَبَتَ حَقُّ الرَّدِّ، فَأَمَّا هَذَا الْحُكْمُ تَعَلَّقَ بِالْحَيَاءِ أَوْ بِصِفَةِ الْبَكَارَةِ وَهُمَا قَائِمَانِ أَلَا تَرَى «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا افْتَخَرَتْ بِالْبَكَارَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَتْ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ لَوْ وَرَدْتَ وَادِيَيْنِ إحْدَاهُمَا رَعَاهَا أَحَدٌ قَبْلَك وَالْأُخْرَى لَمْ يَرْعَهَا أَحَدٌ قَبْلَك إلَى أَيِّهِمَا تَمِيلُ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَى الَّتِي لَمْ يَرْعَهَا أَحَدٌ قَبْلِي فَقَالَتْ: أَنَا ذَاكَ» فَعَرَفْنَا أَنَّهَا مَا لَمْ تُوطَأْ فَهِيَ بِكْرٌ

(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ أَبُوهَا مِنْ رَجُلٍ وَأَخُوهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَجَازَتْ نِكَاحَ الْأَخِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَبِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُبَاشِرُ أَبًا أَوْ أَخًا فَإِنَّمَا وُجِدَ شَرْطُ نُفُوذِ نِكَاحِ الْأَخِ، وَهُوَ رِضَاهَا بِذَلِكَ وَمِنْ ضَرُورَةِ رِضَاهَا بِنِكَاحِ الْأَخِ رَدُّ نِكَاحِ الْأَبِ فَلِهَذَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَبِ

(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَمْ يَبْلُغْهَا حَتَّى مَاتَتْ هِيَ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَالْإِرْثُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا

(قَالَ:) وَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا، وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ وَرَضِيَتْ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَذِنَتْ فِي الِابْتِدَاءِ نَفَذَ عَقْدُهُ بِإِذْنِهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَجَازَتْ فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَكِنْ لَا نَقُولُ: سُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا لَهَا، وَالْحَاجَةُ فِي عَقْدِ غَيْرِ الْوَلِيِّ إلَى تَوْكِيلِهَا لَا إلَى رِضَاهَا، وَالتَّوْكِيلُ غَيْرُ الرِّضَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَالرِّضَا إسْقَاطُ حَقِّ الرَّدِّ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ التَّوْكِيلُ بِالسُّكُوتِ، يُبَيِّنُ لَك مَا قُلْنَا: إنَّ الصَّحِيحَ فِي اسْتِئْمَارِ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا

(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>