للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلْحَقَتْ الْعَارَ بِالْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ بِالْمُصَاهَرَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُهُمْ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا؛ لِدَفْعِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَكُونُ التَّفْرِيقُ بِذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ بِسَبَبِ نَقْصٍ فَكَانَ قِيَاسُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ نَوْعُ حُجَّةٍ فِيمَا يَقُولُ فَلَا يَكُونُ التَّفْرِيقُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَحُكْمُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالتَّوَارُثِ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ انْعَقَدَ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ فِي اللُّزُومِ فَتَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَانَتْ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ فَمَا يَكُونُ فَسْخًا لِأَصْلِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إلَى الزَّوْجِ فَتَفْرِيقُ الْقَاضِي مَتَى كَانَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الزَّوْجِ كَانَ طَلَاقًا، وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا قُلْنَا: لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ خَلَا بِهَا فَلَهَا مَا سُمِّيَ مِنْ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ صَحِيحًا فَيَتَقَرَّرُ الْمُسَمَّى بِالتَّسْلِيمِ إمَّا بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْخَلْوَةِ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ نَظِيرُ الْعَبْدِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِمَا قَائِمٌ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَضِيَ بِهِ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْوِلَايَةِ أَوْ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يَنْقُضَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّفْرِيقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ: إذَا رَضِيَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هَذَا الْوَلِيُّ الرَّاضِي هُوَ الَّذِي زَوَّجَهَا، وَالْخِلَافُ مَعَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ هُنَا، وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ طَلَبَ الْكَفَاءَةِ حَقُّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِذَا رَضِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ وَحَقَّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ إسْقَاطُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أُبْرِئَ أَحَدُهُمْ أَوْ ارْتَهَنَ رَجُلَانِ عَيْنًا ثُمَّ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا أَوْ سَلَّمَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ الشُّفْعَةَ أَوْ عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ عَنْ الْقِصَاصِ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ أُمَّ جَمَاعَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمْ كَانَ لِلْبَاقِينَ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا، وَلَمْ يَكُنْ رِضَاهَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مُبْطِلًا حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَحُجَّتُنَا أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّجْزِيءِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>