للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَكُونُ النِّكَاحُ مُتَأَكَّدًا فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ؛ لِتَوَهُّمِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ بِالْمَاءِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَهَذَا قَائِمٌ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ فِي تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فِي بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ كَانَ تَوَهُّمُ الشُّغْلِ ثَابِتًا حَتَّى أَوْجَبْنَا الْعِدَّةَ عِنْدَ الْفُرْقَةِ الْأُولَى، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ وَالْعِدَّةُ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْوُجُوبِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ اللِّعَانِ أَوْ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ بِخِيَارِ الْعِتْقِ كُلُّهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا أَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا وَالثَّانِي فَاسِدًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ قَابِضًا بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ شَرْعًا، وَذَلِكَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْمَهْرَ وَالْعِدَّةَ فَهُنَا كَذَلِكَ الْعِدَّةُ الْأُولَى لَمْ تَسْقُطْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً كَمَا كَانَتْ، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي صَحِيحًا فَارْتَدَّتْ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي قُلْنَا: لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا تِلْكَ الْيَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالتَّزَوُّجُ بِهَا وَبِأَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى سَوَاءٌ

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا خَيْرًا مِنْهَا فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَنْ يَكُونَ تَحْتَ الرَّجُلِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ؛ وَلِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَكُونُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ قَوْمِ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه لَا مِنْ قَوْمِ هَاجَرَ، وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَا كَانَ قِبْطِيًّا، وَأَوْلَادُ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ

(قَالَ): وَإِذَا تَسَمَّى الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَانْتَسَبَ لَهَا إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ فَتَزَوَّجَتْهُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا): أَنْ يَكُونَ النَّسَبُ الْمَكْتُومُ أَفْضَلَ مِمَّا أَظْهَرَهُ بِأَنْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِي هَذَا لَا خِيَارَ لَهَا، وَلَا لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَ لَهَا فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ.

(وَالثَّانِي): إذَا كَانَ نَسَبُهُ الْمَكْتُومُ دُونَ مَا أَظْهَرَهُ، وَلَكِنَّهُ فِي النَّسَبِ الْمَكْتُومِ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا بِأَنْ تَزَوَّجَ قُرَشِيَّةً عَلَى أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>