للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَنُقْصَانِ الْحَالِ بِسَبَبِ الرِّقِّ وَالصِّغَرِ.

وَاعْتُبِرَ بِطَرَفِ الْأَدَاءِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالصِّيَانَةُ عَنْ خَلَلٍ يَقَعُ بِسَبَبِ التَّجَاحُدِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْفِسْقُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَالسَّلْطَنَةِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَلَّ مَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ فِسْقٍ فَالْقَوْلُ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا بِالْفِسْقِ يُؤَدِّي إلَى فَسَادٍ عَظِيمٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ تَقَلُّدَ الْقَضَاءِ يَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُقْصَانِ الْحَالِ بِسَبَبِ الرِّقِّ، وَالْأَدَاءُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الشَّهَادَةِ.

وَفَوْتُ الثَّمَرَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ الَّذِي ظَاهِرُ حَالِهِ الْعَدَالَةُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَلَا يَظْهَرُ بِمَقَالَتِهِ، كَذَلِكَ بِشَهَادَةِ ابْنَتِهِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ

يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَيَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْأَعْمَى إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُشْتَبَهٍ، وَهُوَ النَّغْمَةُ وَالصَّوْتُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْحُضُورِ وَالسَّمَاعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: لَوْ تَحَمَّلَ، وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ

فَأَمَّا بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُمَا فَهُمَا فَاسِقَانِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْهُمَا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَعِنْدَنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ؛ لِكَوْنِهِ مَحْكُومًا بِكَذِبِهِ فَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تُهْمَةُ الْكَذِبِ أَوْ فِيمَا يَسْتَدْعِي قَوْلًا مِنْ جِهَتِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْحُضُورِ وَالسَّمَاعِ

[شَهَادَة الْعَبْدَيْنِ وَالصَّبِيَّيْنِ فِي النِّكَاح]

فَأَمَّا بِشَهَادَةِ الْعَبْدَيْنِ وَالصَّبِيَّيْنِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ هَذَا الْعَقْدَ بِأَنْفُسِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلْوِلَايَةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ، وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ لَا يُدْعَوْنَ إلَى مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَلِهَذَا جُعِلَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورِهِمَا

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْعَقِدُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إنَّمَا تَكُونُ حُجَّةً فِي الْأَمْوَالِ، وَفِيمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَمْوَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ بِإِشْهَادِ رَجُلَيْنِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ فَكَانَتْ حُجَّةً ضَرُورِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا ضَرُورَةَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِيهَا لَا تَكْثُرُ فَكَانَتْ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَذَلِكَ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلنِّكَاحِ، وَلَا قَابِلَةً فَكَذَلِكَ لَا تَصْلُحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>