للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتَمَلَّكُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْمُسَمَّى فَيُصَارُ إلَى الْعِوَضِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْمُهُورِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَالَ:) وَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى جَوَازِ أَصْلِ الْمُنَاكَحَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ هُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ اعْتِقَادُ الشِّرْكِ، وَالْإِنْكَارُ؛ لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَوَرَّثْنَا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ الْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا عَلَى دِينِ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَنَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ تَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا، وَأَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالْآخَرُ الْحِلَّ فَيُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُعَارِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ، فَقَدْ جَعَلَ اتِّفَاقَ الْأَبَوَيْنِ عِلَّةً نَاقِلَةً عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَبَوَانِ، وَفِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اعْتِقَادَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يُجْعَلُ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي نَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ إذَا قُوبِلَتْ بِالْمَجُوسِيَّةِ فَالْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ فَلَا تَقَعُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ التَّبَعِيَّةِ لِلْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ أَوْ يُظْهِرُهُ فَكَانَ فِي جَعْلِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ لِلْوَلَدِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ.

(قَالَ:) وَإِذَا زُوِّجَ صَبِيَّةٌ مِنْ صَبِيٍّ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَبَتَتْ لِلْأَوْلِيَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ، فَلَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَدْرَكَا؛ لِشَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ عَلَى مَا قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى، وَإِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الذِّمِّيَّةُ ذِمِّيًّا فَقَالَ وَلِيُّهَا: هَذَا لَيْسَ بِكُفْءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ ذُلَّ الشِّرْكِ، وَصَغَارَ الْجِزْيَةِ يَجْمَعُهُمْ فَلَا يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ نُقْصَانُ النَّسَبِ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ اُسْتُرِقُّوا كَانُوا أَكْفَاءً، وَلَوْ أُعْتِقُوا كَذَلِكَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا كَانُوا أَكْفَاءً فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمْ فَلَا يَكُونُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُخَاصِمَ.

(قَالَ:) إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مَشْهُورًا يَعْنِي كَابْنَةِ مَلِكٍ مِنْهُمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ وَنَحْوُهُ فَهُنَا يُفَرَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>