للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقِ.

وَهَذَا لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ بِهَذَا السَّبَبِ فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَامْرَأَتِهِ تُجْعَلُ طَلَاقًا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالرِّدَّةِ كَانَتْ لِفَوَاتِ صِفَةِ الْحِلِّ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، فَيَكُونُ نَظِيرَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْمِلْكِ، فَأَمَّا إبَاءُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بِهِ لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ يَكُون طَلَاقًا.

تَوْضِيحُ الْفَرْقِ: أَنَّ فِي فَصْلِ الْإِبَاءِ لَمَّا كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَشْبَهَ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ الْعُنَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ يَنُوبُ فِيهِ عَنْ الزَّوْجِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ لَمَّا لَمْ تَتَوَقَّفْ الْفُرْقَةُ عَلَى الْقَضَاءِ أَشْبَهَ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتِمُّ بِالْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ إلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ ثُمَّ فِي الْفَصْلَيْنِ يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ كَانَتْ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ بِهَذَا السَّبَبِ غَيْرُ مُتَأَبَّدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَتَوَفَّرُ عَلَى الطَّلَاقِ مَا هُوَ مُوجِبُهُ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ إلَى غَايَةِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَحْرَمِيَّةِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ هُنَاكَ مُؤَبَّدَةٌ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهَا مَا هُوَ مُوجِبُ الطَّلَاقِ

(قَالَ:) وَإِذَا عُقِدَ النِّكَاحُ عَلَى صَبِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ صَحَّ إسْلَامُهُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَيُعْرَضُ عَلَى الْآخَرِ الْإِسْلَامُ إنْ كَانَ يَعْقِلُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ وَالْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةٌ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا بَالِغَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ مِمَّنْ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالْأَدَاءِ، وَاَلَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ إذَا أَتَى بِهِ صَحَّ مِنْهُ الْإِبَاءُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ الصَّبِيُّ يَسْتَوِي بِالْبَالِغِ كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ امْرَأَتُهُ مَجْنُونًا، وَقِيلَ: هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي رِدَّةِ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَجِبُ الْفُرْقَةُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِبَاءَ تَمَسُّكٌ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ فَأَمَّا الرِّدَّةُ إنْشَاءٌ لِمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَهُوَ يَضُرُّهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَدَّهُ الْهِبَةَ بَعْدَمَا قَبَضَ لَا يَصِحُّ وَامْتِنَاعَهُ مِنْ الْقَبُولِ فِي الِابْتِدَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>