للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان لا سبيل إلى معرفته.

ويرى الحنفية: أنه لا يجوز إذا كان مما يحتاج إلى التسليم؛ لئلا يفضيَ إلى المنازعة كما إذا ادعى حقًا في دار رجل ولم يسم فاصطلحا على مال معلوم يعطى المدعي، وأما إذا كان مما لا يحتاج إلى التسليم كترك الدعوى مثلًا، فيجوز؛ لأن جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة فهو بمنزلة الإبراء عن المجهول وهو جائز.

ويرى الشافعية: أنه لا يصح الصلح عن مجهول؛ لأن الصلح فرع البيع ولا يصح بيع المجهول.

والراجح: جواز الصلح عن المجهول؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تختَصِمون إليَّ وإنما أنا بشرٌ ولعلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجَّتِه من بعضٍ، فإني أقضي بينكم على نحوٍ مما أسمعُ، فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذْه، فإنما أقطعُ له قطعةً مِنَ النارِ يأتي بها أسطامًا في عنقهِ يومَ القيامةِ"، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَّا إذ قلتما فاذهبا فَاقْتَسِما ثم توَّخيَا الحقَّ ثم اسْتَهِمَا ثم لِيَحْلِلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه" (١).

ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول، ولأنه إذا كان معلومًا فلهما طريق إلى التخلص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه، ومع المجهول لا يمكن ذلك، فلو لم يجز الصلح أفضى إلى ضياع الحق أو بقاء شغل الذمة على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه منه، وليس الصلح هنا بيعًا وإنما هو إبراءٌ (٢).


(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٢٧١)، والإمام أحمد في المسند (٦/ ٣٢٠).
(٢) بدائع الصنائع (٦/ ٤٩)، ومواهب الجليل، للحطاب (٥/ ٨١)، وروضة الطالبين (ص: ٦٩٥)، والمغني، لابن قدامة (٧/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>