للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراجح: مشروعية المساقاة والمزارعة؛ للأحاديث الصحيحة الواردة فيهما سواء أكانتا مجتمعتين أم كان الاتفاق على واحدة منهما منفردة، وأما حديث رافع ابن خديج -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، فقد رده زيد بن ثابت -رضي الله عنه- وأخبر أن النهي كان لفض النزاع، وكذلك رده ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق الناس بعضهم ببعض بقوله: "مَنْ كانتْ له أرضٌ فليزرعْها أو ليمنحْها أخاه"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المشاركة التي هي كراء الأرض بالمعنى العام؛ إذا اشترط رب الأرض فيها زرعَ مكانٍ بعينه، وقد حث الإِسلام على المساقاة والمزارعة؛ جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ مسلمٍ يَغْرِسُ غرسًا أو يزرعُ زرعًا فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقةٌ".

قال القرطبي: الزراعة من فروض الكفاية، فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الأشجار (١).

[حكم عقد المساقاة والمزارعة]

يرى أكثر الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض أصحاب أحمد وغيرهم، أن عقد المساقاة والمزارعة عقد لازم؛ لأنه عقد معاوضة، ويرى بعض الفقهاء ومنهم الإمام أحمد وهو قول الشافعية، أن العقد فيهما جائز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب لأهل خيبر مدة ولا خلفاؤه من بعده، ولأنها عقد على جزء من نماء المال فكانت جائزة كالمضاربة، ورتبوا على فسخها قبل انتهاء المتفق عليه أحكامًا؛ فإذا انفسخت بعد ظهور الثمر فهو بينهما وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له، وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله (٢)، ولذلك فإن النتيجة واحدة تقريبا؛ لأن الهدف من


(١) فقه السنة، للسيد سابق (٣/ ٣٠٠).
(٢) بداية المجتهد (٢/ ٢٥٠)، وروضة الطالبين (ص: ٨٧٠)، والمبدع في شرح المقنع (٥/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>