للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ، جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ أَبا بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَصْدَ السُّوقَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، حَتَّى فَرَضُوا لَهُ مَا يَكْفِيهِ؛ وَلِأَنَّ القِيَامَ بِعِيَالِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، فَلَا يَتْرُكُهُ لِوَهْمِ مَضَرَّةٍ، وَأَمَّا إذا اسْتَغْنَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَوَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ؛ لمِا ذَكَرْنَا مِنْ المَعْنيَيْنِ، وَينْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ في ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِئَلَّا يُحَابَى.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَا يُكْرَهُ لَهُ البَيعُ وَالشِّرَاءُ وَتَوْكِيلُ مَنْ يُعْرَفُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه-" (١).

وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أنَّهُ قَالَ: "شَرَطَ عَلَيَّ عُمَرُ حِينَ وَلَّانِي القَضَاءَ أَنْ لَا أَبِيعَ، وَلَا أَبتَاعَ".

وَقَضِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ حُجَّةٌ لمنع البيع والشراء، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَاعْتَذَرَ بِحِفْظِ عِيَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ، فَلمَّا أَغْنَوْهُ عَنْ البَيع وَالشِّرَاءِ بِمَا فَرَضُوا لهمْ، قَبِلَ قَوْلَهُمْ، وَتَرَكَ التِّجَارَةَ، فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِهَا عِنْدَ الغِنَى عَنْهَا (٢).

[٣ - تحريم قبول الرشوة]

قال ابن قدامة: فأما الرشوة في الحكم ورشوة العامل فحرام بلا خلاف، قال الله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (٣) قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة، وقالا: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به إلى الكفر، وروى عبد الله بن


= عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة ابن الجراح فقال: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك، ففرضوا له كل يوم شطر شاة.
الطبقات الكبرى (٣/ ١٨٤).
(١) روضة القضاة (١/ ٦٥٨).
(٢) المغني (١٤/ ٦٠ - ٦١)، وانظر: الحاوي الكبير (١٦/ ٤٢)، روضة القضاة (١/ ٦٥٨).
(٣) سورة المائدة: ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>