للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال الثاني: أن يفقد وينقطع خبره، ولا يعلم له موضع، فهل لزوجته أن تتزوج من غيره؟ اختلف الفقهاء في المدة اللازمة لاعتبار المفقود ميتًا في هذه الحال والذي نرجحه أن تقدير المدة يرجع إلى اجتهاد الحاكم، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمان وقرائن الأحوال، فيُحدّد القاضي باجتهاده مدّة يغلب على الظن موته بعدها، ثم يحكم بموته إذا مضت هذه المدة، وتعتد بعدها امرأته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا، وبعد ذلك تحلّ للأزواج.

٣ - إن من حق زوجة المفقود أن تصبر وتنتظر ولا تطلب التفريق؛ حتى يتبين حال زوجها من حيث الحياة أو الموت.

٤ - إنّ غيبة المفقود تسبب لزوجته ضررًا مؤكدًا؛ لكون فقدانه يفوت على الزوجة أغراض الزواج، والضرر يزال عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" (١)، وإذا كان تشريع الإيلاء والتفريق للإنفاق أو لعدم الإنفاق على الزوجة أو لعنة الزوج لدفع الضرر عنها؛ فالتفريق لفقد الزوج أحق وأولى بالأخذ، ولها الخيار بين الحقين السابقين وهما أن تصبر وتنتظر حتى يتبين حال زوجها أو الأخذ بمبدأ التفريق، والأفضل أن ترجح ما يدفع عنها الضرر ويحقق لها مصلحتها.

٥ - اختلف الفقهاء في ابتداء مدة التربص لزوجة المفقود، فقيل بأنّها تبدأ من حين انقطاع خبر الزوج المفقود؛ لأنَّ الانقطاع ظاهر في موته، فكانت ابتداء المدة منه ولا يفتقر الأمر إلى الحاكم، فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حاكم، وفي قول


(١) رواه أحمد (٥/ ٣٢٦ - ٣٢٧)، وابن ماجه، كتاب الأحكام: باب من بنى في حقِّه ما يضرّ بجاره، رقم (٢٣٤٠) من حديث عبادة بن الصامت. ورُوي أيضًا من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم. قال النووي: "حديثٌ حسنٌ ... وله طرق يَقْوَى بعضها بعض". قال ابن رجب: "وهو كما قال". قال ابن الصَّلاح: "هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسِّنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجُّوا به".

<<  <  ج: ص:  >  >>