للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد من الغلس" (١) أي: لا يعرفهن أحد من الظلمة.

٢ - وذهب الحنفية (٢) إلى أن الإسفار أفضل، ومعنى الإسفار هو أن يؤخر الصلاة إلى أن ينتشر الضوء، وتمكين كل من يريد الصلاة جماعة أن يسير في الطريق دون أن يلحقه ضرر، كأن تَزِلَّ قدمه أو يقع في حفرة أو غير ذلك من الأضرار، واستدلوا لذلك بحديث: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" (٣) وعللوا لذلك أيضًا بأنهم قالوا إن الإسفار فيه تكثير للجماعة، وفي التغليس تقليل لها، فكان الأفضل الإسفار. واستثنوا من ذلك صلاة الفجر بمزدلفة يوم النحر، فإنهم قالوا بأنه يستحب فيها التغليس. وهذا عند جميع الفقهاء (٤).

قلنا: والذي يظهر أن الأولى للإمام أن يدخل في الصلاة بالتغليس وينصرف في الإسفار هذا هو الذي تقتضيه الأدلة، وهذا هو ما رجحه الطحاوي -رحمه الله- في شرح معاني الآثار (٥).

أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" فليس معناه تأخير الصلاة حتى يسفر الفجر، وإنما معناه أن الإِمام يطيل في صلاة الفجر، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيل في صلاة الفجر ليخرج منها في الإسفار، فعن أبي بَرْزَةَ الأسلمي قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف من الصبح، فينظر الرجل إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفة" (٦).


(١) أخرجه البخاريُّ في كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم (٥٥٣).
(٢) تبيين الحقائق، للزيلعي (١/ ٨٢).
(٣) أخرجه الترمذيُّ في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الإسفار بالفجر، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذيُّ (١/ ٥٢)، برقم (١٥٤).
(٤) جواهر الإكليل (١/ ٥١)، وحاشية الدسوقي (١/ ٢٤٨).
(٥) شرح معاني الآثار (١/ ١٧٩).
(٦) أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم (٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>