للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء]

إن من أهم ما تتميز به عقيدة كل مسلم ومسلمة أن الشافي من المرض هو الله تعالى، وأنه يجب الالتجاء إليه والتوكل عليه، إيمانًا بقوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠]. غير أنه لا يحق أن يكون هناك جدل في أن العلاج والتداوي لا يتعارض مع هذا التوكل، فالأخذ بالأسباب في جلب المصالح ودرء المفاسد لا يتنافى معه، والمكلف إنما يتعاطى السبب امتثالًا لأمر الله، مع يقينه بأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاء الله أن يقع.

أما اشتراط البرء من المرض لاستحقاق الطبيب المقابل، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي (المشارطة على البرء)، فالأمر فيه محل خلاف:

فذهب بعضهم إلى أنه لا تجوز مشارطة الطبيب على البرء أصلًا؛ لأنه بيد الله، لا بيد أحد، وإنما الطبيب يعالج من مقو للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية الداء، فالبرء لا يقدر عليه إلا الله تعالى (١).

ويرى بعضهم جواز المشارطة على البرء وأنها من باب الإجارة فلا يستحق الطبيب الأجرة إلا بحصوله، فإن ترك قبل البرء فلا شيء له إلا أن يتمم غيره فله بحسب كرائه الأول.

ويرى فريق آخر أن المشارطة على البرء سائغة، ولكنها تخرج العقد من باب الإجارة لتدخله في باب الجعالة، فلا يستحق الطبيب شيئًا حتى يتحقق البرء، أي: حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده.


(١) المحلى لابن حزم (٨/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>