للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجانب الثالث: النظر إلى العواقب:

أي: ومما ينبغي أن يدركه الناظر في النوازل من خلال قاعدة مراعاة مقاصد الشريعة، أن ينظر إلى ما تؤول إليه عواقب الأمور، فينظر المجتهد في تطبيق النص؛ هل سيؤدي إلى تحقيق مقصده أم لا؟ فلا ينبغي للناظر في النوازل والواقعات التسرع بالحكم والفتيا إلا بعد أن ينظر إلى ما يؤول إليه الفعل، وهذا أصل ثابت في الشريعة دلت عليها النصوص الكثيرة بالاستقراء التام، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ} [البقرة: ١٨٨]. وقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨].

وما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أشير إليه بقتل من ظهر نفاقه قوله: "أخاف أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (١). وقوله: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم" (٢). إلى غيرها من النصوص المتواترة في اعتبار هذا الأصل.

يقول الإِمام الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفه؛ وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل؛ فقد يكون مشروعًا لمصلحة قد تستجلب أو لمفسدة قد تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع، لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحه تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى


(١) رواه البخاري: كتاب المناقب، باب ما ينهى عن دعوة الجاهلية (٣٢٥٧)، ومسلمٌ: كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا (٤٦٨٢).
(٢) رواه البخاري: كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه (١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>