للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عبد الله -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ في رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ؟ فَقَالَ: "أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ" (١).

وأيضًا روى الإِمام أحمد وهو عند البخاري معلقًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: فَعَطِشَ النَّاسُ وَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أًعْنَاقَهُمْ وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ" (٢).

فهذه الأدلة تدل دلالة واضحة على جواز فطر من أنشأ سفرًا بعد أن أصبح صائمًا، وهذا هو الصحيح من القولين، وهو اختيار الشيخ ابن سعدي (٣) - رحمه الله-.

[أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر؟]

اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فالجمهور (٤) يقولون بأن الصوم أفضل إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٥)، فدلت الآيات على أن الصوم عزيمة، والإفطار رخصة، ولا شك أن العزيمة أفضل،


(١) أخرجه مسلمٌ: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٨٧٨).
(٢) أخرجه أحمد: كتاب مسند بني هاشم (٣٢٨١)، والبخاريُّ معلقًا.
(٣) المختارات الجليلة، (ص: ٨٣).
(٤) الدر المختار (٢/ ١١٧)، بداية المجتهد (١/ ٣٤٥)، حاشية القليوبي (٢/ ٦٤).
(٥) سورة البقرة: ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>