للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُقَال اجْتهد فِي حمل النواة (وَاصْطِلَاحا: ذَلِك) أَي بذل الطَّاقَة (من الْفَقِيه) وَقد مر تَفْسِيره فِي أول الْكتاب (فِي تَحْصِيل حكم شَرْعِي ظَنِّي) فبذلها من غَيره كالعامي خَارج عَن الِاجْتِهَاد وَخرج أَيْضا بذل طَاقَة الْفَقِيه فِي غير حكم كالعبادة مثلا، وبذله طاقته فِي حكم غير شَرْعِي من حسي أَو عَقْلِي، وَإِنَّمَا قَالَ ظَنِّي لِأَن الْقطعِي لَا اجْتِهَاد فِيهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ. وَفِي قَوْله حكم إِشْعَار بِأَن استغراق الْأَحْكَام لَيْسَ بِشَرْط فِي تحقق حَقِيقَة الِاجْتِهَاد كَمَا لَا يلْزم إحاطة الْمُجْتَهد جَمِيع الْأَحْكَام ومداركها بِالْفِعْلِ، لِأَن ذَلِك خَارج عَن طوق الْبشر (وَنفي الْحَاجة إِلَى قيد الْفَقِيه) كَمَا ذكره التَّفْتَازَانِيّ (للتلازم بَينه) أَي بَين الْفَقِيه (وَبَين الِاجْتِهَاد) فَإِنَّهُ لَا يصير فَقِيها إِلَّا بِهِ وَلذَا لم يذكرهُ الْغَزالِيّ والآمدي (سَهْو لِأَن الْمَذْكُور) فِي التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ (بذل الطَّاقَة لَا الِاجْتِهَاد) وَكَيف يذكر الِاجْتِهَاد فِي تَعْرِيف نَفسه، وَكَأن المُصَنّف أغمض عَن هَذَا (وَيتَصَوَّر) بذل الطَّاقَة (من غَيره) أَي الْفَقِيه (فِي طلب حكم) شَرْعِي، وَلَا يبعد أَن يُقَال بذل الوسع لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتحصيل جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ استنباط ذَلِك الحكم، وَعند ذَلِك يصير مُجْتَهدا فِيهِ فَتَأمل (وشيوع) إِطْلَاق (الْفَقِيه لغيره) أَي الْمُجْتَهد (مِمَّن يحفظ الْفُرُوع) إِنَّمَا هُوَ (فِي غير اصْطِلَاح الْأُصُول، ثمَّ هُوَ) أَي هَذَا التَّعْرِيف لَيْسَ تعريفا للِاجْتِهَاد مُطلقًا، بل هُوَ (تَعْرِيف لنَوْع من الِاجْتِهَاد) وَهُوَ الِاجْتِهَاد فِي الحكم الشَّرْعِيّ العملي الظني (لِأَن مَا) يَقع من بذل الوسع (فِي العقليات) من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الاعتقادية (اجْتِهَاد) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (غير أَن الْمُصِيب) فِيهَا من الْمُخَالفين (وَاحِد) بِاتِّفَاق المصوبة والمخطئة (والمخطئ آثم، وَالْأَحْسَن) فِيهَا تعميمه (أَي التَّعْرِيف بِحَيْثُ يعم العمليات والاعتقاديات ظنية كَانَت أَو قَطْعِيَّة (بِحَذْف) قيد (ظَنِّي) من التَّعْرِيف. (ثمَّ يَنْقَسِم) الِاجْتِهَاد (من حَيْثُ الحكم) الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى) اجْتِهَاد (وَاجِب (عينا على) الْمُجْتَهد (الْمَسْئُول) عَن حكم حَادث (إِذا خَافَ) أَي الْمُجْتَهد (فَوت الْحَادِثَة) أَي فَوت آداء مَا وَجب على المستفتى فِي تِلْكَ الْحَادِثَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ، حَال عَن الْحَادِثَة: أَي وُقُوعهَا على خلاف الشَّرْع فَإِنَّهُ يتَعَيَّن حِينَئِذٍ على الْمَسْئُول الِاجْتِهَاد فِيهَا فَوْرًا لِأَن حِوَالَة المستفتى إِلَى مُجْتَهد آخر يُوجب فَوتهَا (وَفِي حق نَفسه إِذا نزلت الْحَادِثَة بِهِ) مَعْطُوف على قَوْله على الْمَسْئُول: أَي وَإِلَى وَاجِب وجوبا عينيا لحق نَفسه، فكلمة فِي تعليلية، وَحِينَئِذٍ إِن خَافَ فَوت الْحَادِثَة يجب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فَوْرًا وَإِلَّا على التَّرَاخِي (وكفاية) مَعْطُوف على عينا: أَي وَإِلَى اجْتِهَاد وَاجِب كِفَايَة على الْمَسْئُول فِي حق غَيره (لَو لم يخف) فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه (وَثمّ غَيره) من الْمُجْتَهدين فَيتَوَجَّه الْوُجُوب على جَمِيعهم حَتَّى لَو أَمْسكُوا مَعَ اقتدارهم على الْجَواب أثموا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيأثمون بِتَرْكِهِ) أَي الِاجْتِهَاد حَيْثُ لَا عذر لَهُم (وَيسْقط) الْوُجُوب عَن الْكل

<<  <  ج: ص:  >  >>