للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خبثا لَا يُنَافِي مَا ذكرنَا لجَوَاز أَن مُرَاده من قَوْله نَأْخُذ الَّذين اقتدوا بِهِ، يَعْنِي نَأْخُذ فِي حَقهم بعد التَّفَرُّق: وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم إِعَادَته تقليدا لمَذْهَب الْغَيْر فَتدبر (وَمَا) روى (عَن ابْن سُرَيج) من أَن الْمُجْتَهد مَمْنُوع من التَّقْلِيد (إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ) الِاجْتِهَاد فِي الْحَادِثَة لَا يُخَالف الْأَكْثَر، وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِير الْكَلَام: وَمَا عَن ابْن سُرَيج أَنه مَمْنُوع إِلَّا وَقت التَّعَذُّر، وَخبر الْمَوْصُول انه مَمْنُوع، فَيكون الْمَرْوِيّ عَنهُ الْمَنْع فِي غير صُورَة التَّعَذُّر، والتعذر إِمَّا بِالْعَجزِ عَن وَجه الِاجْتِهَاد، وَإِمَّا بالخوف عَن الْفَوْت على مَا سَيَأْتِي (وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ) لِأَن الِامْتِثَال بِمُوجب الْخطاب وَجب عَلَيْهِ لكَونه مُكَلّفا، وَقد تعذر الِاجْتِهَاد فَتعين التَّقْلِيد تحصيلا لما هُوَ الْوَاجِب (وَقيل لَا) يمْنَع من التَّقْلِيد قبل الِاجْتِهَاد مُطلقًا فِيمَا يَخُصُّهُ وَفِيمَا يُفْتِي بِهِ سَوَاء تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد أَو لَا، وَعَلِيهِ الثَّوْريّ وَإِسْحَاق وَأَبُو حنيفَة على مَا ذكر الْكَرْخِي والرازي. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ الَّذِي ظهر من تمسكات مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَعَزاهُ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى أَحْمد. قَالَ بعض الْحَنَابِلَة: لَا يعرف (وَقيل) يمْنَع من التَّقْلِيد (فِيمَا يُفْتى بِهِ) غَيره (لَا فِيمَا يَخُصُّهُ) أَي لَا يمْنَع من تَقْلِيد غَيره فِي حكم يُرِيد الْعَمَل بِهِ من غير أَن يُفْتى بِهِ. وَحكى هَذَا عَن أهل الْعرَاق (وَقيل) يمْنَع عَن التَّقْلِيد (فِيهِ) أَي فِيمَا يَخُصُّهُ (أَيْضا إِلَّا أَن خشِي الْفَوْت) أَي فَوت أَدَاء مَا يجب عَلَيْهِ (كَأَن ضَاقَ وَقت صَلَاة) أَي كخشية الْفَوْت عِنْد ضيق وَقت صَلَاة (وَالِاجْتِهَاد فِيهَا يفوتها) أَي وَالْحَال أَن الِاشْتِغَال بِالِاجْتِهَادِ فِي حق تِلْكَ الصَّلَاة لتَحْصِيل مَا هُوَ مَجْهُول فِيهَا من الحكم يفوتها لمضي الْوَقْت، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن سُرَيج. (وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ): إِحْدَاهمَا الْجَوَاز على مَا تقدم، وَالْأُخْرَى الْمَنْع (و) روى (عَن مُحَمَّد) أَنه (يُقَلّد) مُجْتَهدا (أعلم مِنْهُ) لَا أدون مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيا لَهُ، وَقيل إِنَّه ضرب من الِاجْتِهَاد (و) قَالَ (الشَّافِعِي) فِي الْقَدِيم (والجبائي) وَابْنه (يجوز) أَن يُقَلّد غَيره (إِن) كَانَ (صحابيا راجحا) فِي نظره على غَيره مِمَّن خَالف من الصَّحَابَة (فَإِن اسْتَووا) أَي الصَّحَابَة فِي نظره بِحَسب الْعلم وَاخْتلفت فتواهم (تخير) فيقلد أَيهمْ شَاءَ، وَلَا يجوز تَقْلِيد من عداهم (وَهَذَا) النَّقْل (رِوَايَة عَنهُ) أَي الشَّافِعِي (فِي تَقْلِيد الصَّحَابِيّ) للمجتهد مَذْكُور فِي رسَالَته الْقَدِيمَة. قَالَ الْأَبْهَرِيّ: وَالْمَشْهُور من مذْهبه عدم جَوَاز تَقْلِيده للْغَيْر مُطلقًا (وَقيل) يجوز تَقْلِيده أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَا غَيرهمَا. وَعَن أَحْمد وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ: جَوَاز تَقْلِيد الصَّحَابَة دون غَيرهم إِلَّا عمر ابْن عبد الْعَزِيز، وَاسْتَغْرَبَهُ بعض الْحَنَابِلَة، وَقيل يجوز أَن يُقَلّد صحابيا (وتابعيا) دون غَيرهمَا وعزى إِلَى الْحَنَفِيَّة، لَكِن بِلَفْظ أَو خِيَار التَّابِعين، وَقيل: يجوز للْقَاضِي لَا غير. الْحجَّة (للْأَكْثَر) الْقَائِلين بِالْمَنْعِ مُطلقًا (الْجَوَاز) أَي جَوَاز التَّقْلِيد (حكم شَرْعِي فيفتقر إِلَى دَلِيل) شَرْعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>