للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذا حلف الرجل على يَمِين فَلهُ أَن يسْتَثْنى وَلَو إِلَى سنة وَفِيه نزل - {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} - قَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ (وَحمل) مَا عَن ابْن عَبَّاس من جَوَاز الْفَصْل (على مَا إِذا كَانَ) الِاسْتِثْنَاء (منويا حَال التَّكَلُّم) فَيكون مُتَّصِلا قصدا مُتَأَخِّرًا لفظا (ويدين) الناوي لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِي صِحَة دَعْوَى نِيَّة الِاسْتِثْنَاء. قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ نقل عَن ابْن عَبَّاس جَوَاز تَأْخِير الِاسْتِثْنَاء، وَلَعَلَّه لَا يَصح النَّقْل عَنهُ إِذْ لَا يَلِيق ذَلِك بمنصبه وَإِن صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إِذا نوى الِاسْتِثْنَاء أَولا، ثمَّ أظهر نِيَّته بعده فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِيمَا يرَاهُ وَأما جَوَاز التَّأْخِير بِدُونِ هَذَا التَّأْوِيل فَيردهُ اتِّفَاق أهل اللُّغَة على خِلَافه لِأَنَّهُ جُزْء من الْكَلَام يحصل بِهِ الْإِتْمَام، فَإِذا انْفَصل لم يكن إتماما كالشرط وَخبر الْمُبْتَدَأ (وَهُوَ) أَي جَوَاز فصل الِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ منويا حَال التَّكَلُّم بالمستثنى مِنْهُ (قَول أَحْمد، وَعَن طَاوس وَالْحسن تَقْيِيده) أَي جَوَاز الْفَصْل (بِالْمَجْلِسِ) وَأَنت خَبِير بِأَن الْمجْلس قد يطول وَكَونه إتماما لما قبله بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة يُنَافِيهِ، نعم لَا يبعد عَن اعتبارات الْفُقَهَاء، وَقَوْلهمْ أَن الْمجْلس جَامع المتفرقات (لنا لَو تَأَخّر) أَي لَو جَازَ تَأْخِير الِاسْتِثْنَاء (لم يعين تَعَالَى لبر أَيُّوب صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه أَخذ الضغث) وَهِي الحزمة الصَّغِيرَة من الْحَشِيش وَنَحْوه وَضرب زَوجته بِهِ فِي حلفه أَي يضْربهَا مائَة سَوط ضَرْبَة لما ذهبت لِحَاجَتِهِ فأبطأت على مَا روى، بل كَانَ يَقُول لَهُ استثن من غير هَذِه الْحِيلَة، وَقد يُقَال إِن ذكر مخلص مَخْصُوص عَن الْحِنْث لَا يُنَافِي جَوَاز مَا عداهُ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال ترك مَا هُوَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى لَا يَلِيق بِهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ حِيلَة الِاسْتِثْنَاء، وَالِاسْتِثْنَاء لَيْسَ بحيلة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَلم يقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا (فليكفر) عَن يَمِينه وليفعل الَّذِي هُوَ خير، رَوَاهُ مُسلم (مُقْتَصرا) على الْأَمر بالتفكير مَعَ أَنه كَانَ يحب لأمته مَا هُوَ الْأَيْسَر كَمَا سيصرح بِهِ (إِذْ لم يتَعَيَّن) التَّكْفِير (مخلصا) من عُهْدَة الْيَمين خُصُوصا (مَعَ اخْتِيَاره الْأَيْسَر لَهُم دَائِما) على مَا يدل عَلَيْهِ صِحَاح الْأَخْبَار، مَعَ أَن الِاسْتِثْنَاء أولى لعدم الْحِنْث فِيهِ (بِلَا تَفْصِيل بَين) اسْتثِْنَاء (منوي) وَغير منوي (وَمُدَّة) أَي وَبَين مُدَّة قَصِيرَة وَمُدَّة طَوِيلَة (وَغَيرهمَا) أَي الْمَنوِي والمدة مِمَّا هُوَ من وَظِيفَة الشَّارِع بَيَانه كَكَوْنِهِ يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله وَلَا يصدق قَضَاء (وَأَيْضًا لم يجْزم بِطَلَاق، وعتاق، وَكذب، وَصدق، وَلَا عقد) أَي وَلم يجْزم بانعقاد عقد بيع وَنِكَاح وَغَيرهمَا لَا مَكَان لُحُوق الِاسْتِثْنَاء وَدَعوى الحاقة (وَدفع أَبُو حنيفَة رَحمَه الله عتب الْمَنْصُور) أبي جَعْفَر الدوانيقي ثَانِي خلفاء العباسية فِي مُخَالفَة جده ابْن عَبَّاس فِي جَوَاز الِانْفِصَال (بِلُزُوم عدم لُزُوم عقد الْبيعَة) فَقَالَ هَذَا يرجع عَلَيْك أفترضي لمن يُبَايِعك بِالْإِيمَان أَن يخرج من عنْدك فيستثنى، فَاسْتَحْسَنَهُ، ذكره فِي الْكَشَّاف وَغَيره، وَقيل أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>