للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِذْ لَيْسَ) الْعَدَم (أَثَرهَا) أَي الْقُدْرَة (وَلَا استمراره) أَي وَلَا اسْتِمْرَار الْعَدَم أثر الْقُدْرَة، لِأَن الْعَدَم نفي مَحْض، وَلما نظر فِي هَذَا ابْن الْحَاجِب وَغَيره وَقرر فِي الشَّرْح العضدي بِأَنا لَا نسلم أَن اسْتِمْرَار الْعَدَم لَا يصلح أثر للقدرة إِذْ يُمكنهُ أَن لَا يفعل فيستمر، وَأَيْضًا يَكْفِي فِي طرف النَّفْي أثرا أَنه لم يَشَأْ فَلم يفعل، وَذَلِكَ لِأَن الْفَاء المتوسطة بَين عدم الْمَشِيئَة وَعدم الْفِعْل تدل على ترَتّب الثَّانِي على الأول، والمترتب على الشَّيْء أثر لَهُ، وَفِيه نظر: إِذْ الترتب إِنَّمَا يسْتَلْزم المعلولية، وكل مَعْلُول لَا يلْزم أَن يكون أثر الْعلية: أَلا ترى أَن الْمَشْرُوط مَعْلُول الشَّرْط، وَلَا يُقَال أَنه أثر لَهُ. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَحَاصِله أَنا لَا نفسر الْقَادِر بِالَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك بل بِالَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل، فَدخل فِي الْمَقْدُور عدم الْفِعْل إِذْ ترَتّب على عدم الْمَشِيئَة وَكَانَ الْفِعْل مِمَّا يَصح ترتبه على الْمَشِيئَة، وَتخرج العدميات الَّتِي لَيست كَذَلِك: أَشَارَ المُصَنّف إِلَيْهِ ورده، فَقَالَ (وَتَفْسِير الْقَادِر بِمن إِن شَاءَ فعل، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَشَأْ (لم يفعل، لَا) بِمن إِن شَاءَ فعل (وَإِن شَاءَ ترك، وَكَونه لم يَشَأْ فَلم يفعل) كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْسِير الأول بِإِدْخَال الْفَاء الدَّاخِلَة على ترَتّب مدخولها على مَا قبله الموهمة كَون الْعَدَم أثرا لعدم الْمَشِيئَة (لَا يُوجب اسْتِمْرَار) الْعَدَم (الْأَصْلِيّ أثر الْقُدْرَة بِهِ) أَي الْمُكَلف: أَي يُوجب كَون الِاسْتِمْرَار الْمَذْكُور أثرا لَهَا (فَيكون ممتثلا للنَّهْي) فَقَوله تَفْسِير الْقَادِر مُبْتَدأ عطف عَلَيْهِ كَونه إِلَى آخِره، وَقَوله لَا يُوجب خَبره (بل عدم مَشِيئَة الْفِعْل أصلا) بِأَن لم يتَعَلَّق بِهِ مَشِيئَة لَا وجودا وَلَا عدما (صُورَة عدم الشُّعُور بالتكلف) يَعْنِي أَنَّك بدلت إِن شَاءَ ترك فِي تَفْسِير الْقَادِر بِأَن لم يَشَأْ لم يفعل ليصير عدم الْفِعْل مَقْدُورًا للمكلف، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمت: إِذْ الْمُكَلف لَا يَخْلُو من أَن يكون لَهُ شُعُور بِالنَّهْي أَو لَا، وعَلى الثَّانِي جعل اسْتِمْرَار الْعَدَم الْأَصْلِيّ أثر الْقُدْرَة، وامتثالا للنَّهْي مِمَّا لَا يرتضيه عَاقل: إِذْ الِامْتِثَال للنَّهْي فرع الشُّعُور بِهِ، وَأثر قدرَة الْفَاعِل الْمُخْتَار يجب أَن يكون مشعورا بِهِ إِذا كَانَ مَقْصُود الْحُصُول بِهِ، وَأما على الأول فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَأما مَعَه) أَي مَعَ الشُّعُور بِالنَّهْي (فَلَيْسَ الثَّابِت) من حَيْثُ قصد الِامْتِثَال اللَّازِم للشعور بِهِ بِمُوجب الْإِيمَان (إِلَّا مَشِيئَة عدم الْفِعْل وَإِن عبر عَنهُ) أَي عَن مَشِيئَة عدم الْفِعْل، والتذكير لكَونه مصدرا (بِعَدَمِ مَشِيئَته) أَي الْفِعْل تسامحا (فَيتَحَقَّق التّرْك) حِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَة فِي الْعُدُول عَن الأول إِلَى الثَّانِي (وَهُوَ) أَي التّرْك (فعل إِذا طلبته) النَّفس (ويثاب) الْمُكَلف (على هَذَا الْعَزْم) الَّذِي هُوَ مَشِيئَة عدم الْفِعْل إِن كَانَ لله من غير طلب النَّفس إِيَّاه (لَا) يُثَاب (على امْتِثَال النَّهْي) حِينَئِذٍ (إِذْ لم يُوجد) الِامْتِثَال بِمُجَرَّد الْعَزْم بل عِنْد الطّلب والكف وَأَيْضًا لَا نسلم الْفرق بَين التفسيرين بِأَن يصير الِاسْتِمْرَار على الأول مَقْدُورًا دون الثَّانِي، إِذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>