للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[تمهيد]

قد يظن بعض من لم يمارس التحقيق أنه لا يعدو أن يكون عملًا شكليًا، لا يتجاوز نسخ الكتاب المخطوط، ومقابلة نسخه إن كان ذا نسخ، وإثبات الفروق بينها، دون أن يتطلب مجهودًا ذهنيًا، وعملًا علميًا من المحقق، وهذا الحكم إنما يصدر عمن لم يمارس التحقيق، ولم يكابد مشقته.

والواقع أن التحقيق ليس بالأمر السهل، بل هو من المشقة والمعاناة بمكان، إذ يتطلب جلدًا وصبرًا، ودقة نظر، وتقليبًا للكلمة الواحدة على كافة احتمالاتها، حتى يصل المحقق إلى قرار يطمئن إلى صحته، فيثبت النص وهو مرتاح الضمير، يغلب على ظنه صحة ما أثبته، كما أثبته مؤلفه وأراده (١)، إضافة إلى ما يتطلبه التحقيق من إيضاح غامض، وإزالة لبس، وتوثيق نقل، وغير ذلك.

ولقد أدرك العلماء الأوائل قيمة التحقيق وصعوبته، وما يتطلبه من الجهد والعناية، فقال الجاحظ:

(ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفًا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ، وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام) (٢).

ولقد عانيت في تحقيق هذا الكتاب الشيء الكثير - كما سبق أن أشرت إلى ذلك في المقدمة - من أجل إخراج الكتاب على أقرب صورة وضعها عليه


(١) انظر: مقدمة تحقيق القواعد للمقري، ١/ ١٨٩.
(٢) الحيوان، ١/ ٧٩.
وانظر الكلام عن أهمية التحقيق في: تحقيق النصوص لعبد السلام هارون، ص، ٤٨.

<<  <   >  >>