للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عج وثج أسأل الله تعالى القبول وكيف وإنما يتقبل الله من المتقين، وقد كنت عندي ذا سُنَّة ودين محبا في الله تعالى وفي النبيين وفي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - والمهديين، فورد الناطقون وأتى المخبرون، بخبر ما أنت عليه فذكروا أنك مدحض لمذهب مالك، موّعد لصاحبه بأليم المهالك هيهات هيهات: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (١)، فأبيت القبول على أمر لم يصح بيانه لكثرة الكذب في الدنيا، وإذ لا يحل لمسلم أن يموت طوعًا فأردت الكشف عن ذلك بكتاب منك، والسلام على من اتبع الهدى.

جواب المستنصر بالله: حرس الله مهجتك وطول مدتك، وقدم أمير المؤمنين إلى المنية قبلك وخصه بها دونك، ورد كتابك المكرم وأتى خطابك المعظم يفصح البكم وينزل العصم، وهبت عليه رياح البلاغة فنمقته، ووكفت عليه سحائب البراءة فرققته، فيا له من خط بهي ولفظ شهي تذكر فيه حسن ظنونك بنا وتثبت مآثرنا، فلما أن عرست بإزائها، ورد من فسخ عليك، فخذ بظاهرها ما كان عندك ورد ودع لربك علم ذات الصدور والسلام (٢).

• فضائله وأخلاقه ومكانته العلمية وأقوال العلماء فيه:

لقد كان القاضي عبد الوهاب عابدًا زاهدًا متأدبًا ثقة كثير الحفظ، وكان حسن النظر جيِّد العبارة، فقيهًا متفننًا باهرًا أديبًا، من أعيان علماء الإِسلام، سما قدره وشاع في الأفق ذكره، قال ابن بسام: "كان أبو محمَّد في وقته بقية الناس ولسان أصحاب القياس، وهو أحد من صرَّف وجوه المذهب المالكي بين لسان الكناني ونظر اليوناني فقدَّر أصوله وحرَّر فصوله وقرر جمله وتفاصيله، ونهج فيه سبيلًا كانت قبله طامسة المنار دارسة الآثار، وكان أكثر الفقهاء -ممن لعله- كان أقرب سندًا وأرحب أمدًا قليل مادة البيان كليل شباة اللسان، قلما يصل في كتبه


(١) سورة الزمر، الآية: ٣٠ - ٣١.
(٢) الذخيرة: ٤/ ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>