للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها (١)، وإنما قلنا ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" (٢)، فقيد المنع بالفرار، فدل أنه إذا لم يقصد به ذلك، فإنه جائز، ولأن لهم في ذلك رفقًا ومعونة وأداؤه إلى تخفيف الزكاة مرة كإبداله إلى تثقيلها مرة أخرى، فكان مباحًا كسائر التصرف، وإنما قلنا: إن الساعي يقبل قول أرباب الماشية، ويحمل الأمر على ظاهره؛ لأن عمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعاته كذلك كانوا يفعلون، ولأن الظاهر أنهم يفعلون ذلك للارتفاق والترفه بالاجتماع على الراعي والمرعى، فأما قصد الفرار من كثرة الزكاة فأمر يبطن ويخالف الظاهر، فوجب أن لا يترك الظاهر ويصار إلى خلافه إلا بأمارة تقوي (٣) التهمة في قصده.

[فصل [١٩ - إذا خاف الساعي وجود قصد الفرار من الصدقة]]

إذا خاف الساعي أن يكون قصد الفرار من الصدقة أو أن يكون يستر عنه بعض ماشيته بنقصها من النصاب حمل الأمر على الظاهر من الصدق، وإن أراد استحلافه على ذلك نظر، فإن كان ذلك الإنسان على ظاهر الأمانة والديانة والصدق ولم يعرف منه إدغال ولا كذب ولا خيانة في معاملة، فليس له استحلافه لأن ظاهر حاله ينفي التهمة عنه، ووجب حمله على أداء الأمانة دون خفرها (٤)، وإن كان المعروف منه خلاف ذلك من قلة مراعاة الدين ومحبة توفير المال من وجهه وغير وجهه، وما يجري عليه معاملته بين الناس من خيانة أو ترك (٥) نصفه فإنه يستحلفه (٦)؛ لأن في ذلك توصلًا إلى استيفاء حقوق الفقراء


(١) انظر: المدونة: ١/ ٢٧٩، التفريع: ١/ ٢٨٩.
(٢) سبق تخريج الحديث.
(٣) في (م): بالإمارة يقوى.
(٤) خفرها: بمعنى أخفاها، ويقال: أخفرت الرجل إذا انقضت عهده (معجم مقاييس اللغة: ٢/ ٢٠٣).
(٥) أو ترك: سقطت من (م).
(٦) انظر: المدونة: ١/ ٢٨٢، التفريع: ١/ ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>